مدونة د. رجاء بنحيدا


اللغة العربية وسؤال الحضارة..

د. رجاء بنحيدا | Rajae benhida


19/12/2020 القراءات: 4451  


إن الناس يبنون حضارة عصرهم ، وفق " عالم اللغة " وذلك ، لأنهم لا يحيون في نطاق عالم الموجودات، والأشياء التي تحيط بهم، ولا في نطاق الحضارة المادية ، والحياة الاقتصادية فقط ، وإنما هم خاضعون لعالم اللغة ، التي هي وسيلة تعبيرهم ، لأن الواقع يرتكز ، لا شعوريا، على العادات اللغوية للجماعة " أحمد أبو زيد حضارة اللغة عالم الفكر ( الكويت ) أبريل ١٩٧١
ولئن كان الواقع الحضاري لأي أمة مرتبطا بواقعه اللغوي وتحديدا بلغته الأصلية ، فهذا يستلزم حرصا شديدا على اللغة وخاصة إذا كانت هذه اللغة مستهدفة بالتصادمات والصراعات ...بينها وبين اللغة الأم وباقي اللغات ..
قبل الخوض. في غمار الحديث عن اللغة العربية سأقف عند عبارة " سؤال الحضارة ؟" هو سؤال ذو بعد شمولي ، مرتبط بمستويات مختلفة سياسية اقتصادية اجتماعية ثقافية ، وهو أيضاً سؤال محمل بشحنة قيمية من حيث دلالاتها ورمزيتها ، من حيث ارتباطها " بمشروعية التنافس والاستحقاق في صناعة الذات والتاريخ "
وفي هذا السياق ومن هذا المنطلق ، كنت أتساءل هل حقاً لغتنا الراقية عاجزة على أن تساير وتواكب هذا التقدم العلمي التكنولوجي ، وأن تنخرط في مخاض الحداثة التقنية التكنولوجية الاقتصادية ؟
مما لا شك فيه أن اللغة العربية لغة أبانت على تفوقها وتميزها ، مادامت لغة مطواعة تتماهى مع كل المتغيرات في مختلف العصور ،فإذا كانت هي لغة القصيدة ، فهي نفسها ذات اللغة التي خاطبنا بها الرسول عليه والسلام ، وهي نفسها ذات اللغة التي نزل بها القرآن الكريم ، وهي بالتأكيد نفس اللغة التي استعملها العرب إبان العصر الذهبي للحضارة الإسلامية في شتى الفنون من فيزياء وكيمياء وطب وفلسفة ... وهي نفسها اللغة التي نتواصل بها اليوم .
والتي أثارت إعجاب كبار علماء اللغات من المستشرقين الذي عنوا بدراستها ، إذ أعرب نودلكه دهشته من وفرة مفرداتها فقال : " إنه لابد أن يزداد تعجب المرء من وفرة مفردات العربية ... خاصة وأنه يرمز للفرق الدقيق في المعنى بكلمة خاصة " " نودلكه : اللغات السامية ، تخطيط عام ،ص 82
وهذا إرنست رينان يصرح في كتابه " تاريخ اللغات السامية "مندهشا " ومن يوم أن ظهرت لنا وهي في حلة الكمال، إلى درجة أنها لم تتغير أي تغير يذكر، حتى إنها لم يعرف لها - في كل أطوار حياتها طفولة ولا شيخوخة ، فلانكاد نعلم من شأنها إلا فتوحاتها وانتصاراتها التي لاتبارى ، ولانعلم شبيها لهذه اللغة ، هي لغة ظهرت للباحثين من غير تدرج ، وبقيت حافظة لكيانها من غير شائبة " حسين " دراسات في العربية وتاريخها ص 19
ولقد نجحت لغتنا في فترة قصيرة بأن تكون لغة علم ، فهي لغة للعلوم الإنسانية ، وللعلوم الرياضية والطبيعية والعلوم التطبيقية ، كيف لا ، والقرآن الكريم فيه دعوة صريحة إلى الأخذ بأسباب العلم والمثابرة العلمية .
كيف ألا تكون كذلك ، وقد امتلك العربي قبل الإسلام معرفة علمية اشتملت على جملة واسعة من الحقائق العلمية ذات الصلة بالطبيعة والفلك والحساب والأنواء والطب والعقاقير
وكيف ألا تكون كذلك ؟ وقد تم استحداث المصطلح العلي العربي والمرادف للمصطلح الأجنبي ، عن طريق وضع قواعد النحث والاشتقاق والنقل والتعريب وغير ذلك .
وكيف ألا تكون كذلك وهي الغنية بعدد كلماته التي تصل إلى ١٢ مليون و٣٠٠ ألف كلمة .
هكذا هي لغتنا ، لغة ثراء ورقي وحياة،لغة كمال إن صح القول ، وهذا يؤكد أن التحدي الذي يواجهها اليوم ويواجه المدافعين عنها هو كيفية تطويرها وتطويعها حتى تساير الركب العالمي في جل الأبحاث ، ولم لا أن نجعلها لغة الحياة العامة ، لغة المؤسسات الرسمية وفي مختلف المرافق الإدارية أما المكابرة والامتناع عن التطوير والتطويع بدعوى حمايتها فهو تصنيم وتقديس إلى حد الهدم والتجميد .
...


عربية لغة .سؤال


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع


مقالة ممتازة