مدونة د. ميثاق صادق محمود هزاع المليكي


شكرا كورونا (COVID-19) من منظور مقاصد الشرائع السابقة.

د.ميثاق صادق المليكي | Dr.Methaq sadeq Almuliki


13/04/2020 القراءات: 5122  


عفوا أخي الكريم ... أختي الكريمة ... قد يتشأم البعض من العنوان وقد تعاتبه نفسه كيف تشكر فيروسا يقضي على حياة الشعوب بدون رحمة؟ نعم قضى على الكثير ومازال يخلِّفُ وراءه الخوف الأوجاع والمتاعب، فمقصودي من ذلك أشكر الله على بلاء كورونا.
ولقد ظهرت الكثير من المنشورات على مواقع التواصل (شكرا كورونا) يعبرون بشكرهم أنه دمر اقتصاد الطغاة وكشف ضعفهم بالجانب الصحي والمالي، فتجد الأغلب من الناس يعترضُ على هذا الشكر المشؤوم على حد تعبيرهم، لكون المشكور (كورونا) لا يرحم المؤمن ولا الكافر فلماذا نشكره؟ وهذا مما جعل الباحث يكتب هذه المدونة المتواضعة التي تبرز الشكر على البلاء من منظور مقاصد الشرائع السماوية السابقة.
فالأصوليون ومنهم أبن عاشور يقول: بأن المقاصد يقصد بها المعاني، والحِكم الملحوظة للشارع في جميع أحوال التشريع أو معظمها، فيُثبتُ هذا التعريف أن جميع أحوال التشريع له مقصد ومعنى في الشريعة الإسلامية، أو الشرائع السماوية، ومن ذلك الأمر بالشكر في قوله تعالى: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ البقرة: 152 فالأمر بالشكر يدل على العموم يُشكر الله على النعمة وعلى الابتلاء والمصيبة التي جعل الله منها حكمة ومقصدا، والشكر على المصيبة سواء كانت كورونا أو غيرها مستحب لماذا؟ لأن الشكر تعبير عن الرضاء بقدر الله سواء كان خيرا أو شرا، وهذا من أركان الإيمان الستة (وَتُؤْمِنُ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، وَحُلْوِهِ وَمُرِّهِ) الطبراني. نعم لم يبرز مقصد الشكر في شريعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فقط، بل قد وردت الكثير من الحكم والمقاصد من الشكر في الشرائع السماوية السابقة ومن ذلك:
1ــ شريعة أيوب عليه السلام عندما تسلط الشيطان الرجيم على أبنائه وكان أيوب أنذاك مبتلى بمرض شديد جاءه الغلام ثلاث مرات يشكوا له بأنه لم يبق من أولاده ولا ماله ولا رفقائه فماذا كان رد أيوب عليه السلام هل أظهر الشماتة والندم والغضب من البلاء الذي أصيب به؟ لا بل بقي صابرا محتسبا لله قائلا الحمدالله الذي أعطاه الحمدالله الذي أخذه حتى مرض مرضا شديدا وهو يشكر الله ويحمده، فلماذا تحمل كل هذا البلاء والمصائب التي حلت عليه حتى أنه كان يستحي أن يدعو الله أن يشفيه، من هذه المصيبة الجائحة التي حلت به، بل كان كلما يفقد شيئا من أهله أو ماله يشكر الله ويحمده لأنه يعلم علم يقين أن المصائب التي حلت عليه لها مقصد وحكمة يديرها الله في عباده، ولله في خلقه شؤون.
2ــ أيضا عيسى عليه السلام مر على رجل قد أصابه الله ببلاء العمى والجذام والبرص فسمعه عيسى يشكر ويقول الحمد الله الذي عافاني من بلاء أُبتلى به أكثر الخلق فاستغرب عيسى منه فقال: له ما بقي من بلاء لم يصيبك؟ فقال: عافاني الله من بلاء هو أعظم البلايا وهو الكفر فمسه عيسى فشفي من مرضه، فسبحان الله لم يفكر هذا الرجل بما به من ألم ووجع على بدنه بل كان مقصده الأهم هو البقاء على الإيمان والرضا بما كتبه الله له.
3ــ وكذلك يوسف عليه السلام عندما باعه مالك بن زعر عبدا في سوق النخاسة وبعد أن علم بأنه باع نبيا عبدا ندم أشد الندم على بيعه، وأراد استرجاعه من عزيز مصر، وقابل مالكُ يوسفَ أنذاك وهو يبكي بسبب بيعه نبيا، فماذا كان رد يوسف عليه السلام عليه هل عاتبه متضجرا؟ هل كان غضبان منه بسبب هذا المصيبة؟ لا... بل كان يحمد الله ويشكره على فعله لهذه المصيبة لأنه يعلم أن لله مقصدا بذلك وكذلك إيمانا منه بالرضاء بالقدر خيره وشره وحلوه ومره، بل وكذلك عندما سجن يوسف بضع سنوات ظلما بسبب زليخا ظل حامدا وشاكرا لله ليلا ونهارا في السجن ومحتسبا وصابرا لما ألم به من بلاء، لأنه متيقن أن هذه المصيبة التي حلت عليه هي إرادة الله لها حكمة ومقصد، وعلى العبد أن يشكر ربه في البأساء والضراء لما ستجره إلى ما هو أفضل منها، وقد ظهرت حكمة الله ومقصده من بيع يوسف وبلائه وعذابه في السجن وصار عزيزا لمصر فسبحان من يحول البلاء والمصيبة إلى نعمة.
إذا يفهم مما سبق أن الشكر على البلاء بشكل عام يكون له حكمة ومقصد يعلمه الله، فنسأل من الله أن تكون الحكمة من بلاء فيروس كورونا نعمة تعمُ الإسلام والمسلمين، فلابد للعبد المؤمن أن يبقى صابرا محتسبا لكل بلاء ومصيبة حلت عليه اقتداء بالأنبياء سواء كانت المصيبة في بدنه أو ماله أو أرضه لكي يكون أولا وأخيراً مؤمنا بقضاء الله وقدره وبذلك ينال رضاء الله، وتُكفر ذنوبَه وترفعُ درجته ويزدادُ ثوابَه في الأخرة فهي خير وأبقى من الدنيا الفانية، فقد ذكر الإمام الصادق عليه السلام فقال: «كانَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إذا وَرَدَ عَلَيْهِ أمْرٌ يَسُرُّهُ قالَ: الحَمْدُ للهِ عَلى هذِهِ النِّعْمَةِ، وَإذا وَرَدَ عَلَيْهِ أمْرٌ يَغْتَمُّ بِهِ قالَ: الحَمْدُ للهِ عَلى كُلِّ حالٍ) فالحمدالله على كل نعمة أنعم الله بها علينا والحمدالله والشكر لله على كل بلاء ومصيبة حلت بنا... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


الشكر / فيروس كورونا المستجد/ الشرائع السماوية السابقة.


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع