مدونة سمير ساسي


أزمة التعليم الإسلامي حسب بن عاشور ج3

سمير يوسف ساسي | samir sassi


20/10/2020 القراءات: 1403  


العلاقة بين العلوم الشرعية والعلوم الدنيوية في رؤية بن عاشور
عالج الشيخ بن عاشور هذه العلاقة من خلال تخصيصه جزء من كتابه أليس الصبح بقريب لحدث افتتاح مدرسة الخلدونية في تونس لتدريس العلوم الدنيوية من حساب وتاريخ وجغرافيا واستند في هذا إلى درس الافتتاح الذي ألقاه أحد كبار شيوخ الجامع الأعظم الشيخ سالم بوحاجب ،وهو في ذلك يتبنى رأيه فلم نجد ما يشير إلى مخالفة الشيخ بن عاشور لما ذهب إليه الشيخ بوحاجب الذي بدأ درسه بتأكيد وجود نوعين من العلوم علم للدار الدائمة وعلم للدار الدنيا وهو تقسيم كشف عنه بن عاشور في بدء كتابه لكن وجه الاضافة هنا ما نقله بن عاشور على لسان بوحاجب من أن التعمق في العلوم الدنيوية سبب رئيس في تقدم الأمة بل إن الشيخ بوحاجب ومن ورائه ابن عاشور أحلّ هذا التقدم في العلوم الدنيوية محلّ التأييد السماوي الذي كان للمسلمين في بدء النبوة وهذا رأي غير مسبوق "من ذلك الوقت تزايد تمدن الأمة العربية وقويت شوكتها قوة سدت مسد الاستقامة وما صحبها في صدر الإسلام من تأييد سماوي "
ويرفض بن عاشور الرأي السائد بأن التقدم في علوم الدنيا ينتج عنه تأخر في الدين بل يرى عكس ذلك أي "إن الدين إنما تقهقر عند تأخر المسلمين في تلك العلوم " مستدلا بما كان عليه الحال في الأندلس من تقدم للطب وغيره من العلوم التي لم يمنع تطورها المنشغلين بها من التزام احكام الشريعة ،والشيخ بهذه الإشارة ينفي أي ربط بين الانشغال بعلوم الدنيا والالتزام القيمي والديني
ويحاجج الشيخ المعترضين على هذه العلاقة بين العلوم الدنيوية والعلوم الشرعية فيجادلهم في ما يذهبون إليه من أن هذه العلوم لم تكن في صدر الإسلام و إنما هي من المحدثات ويرى أن ذلك مردود عليهم بأن "إقامة الدين في صدر الإسلام لم تكن بحاجة إلى العلوم المشار إليها" أما بعد ذلك فنلتزم فيه قاعدة الوسائل بمرتبة المطالب وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب
وهنا نجد أن الشيخ بن عاشور كان وفيا لما قرره في البدء من أن العلوم تتطور بحسب حاجة المجتمع إليها لذلك أردف بالقول "ثم إن الله تعالى ما جعل شريعتنا خاتمة الشرائع إلا وقد أودع فيها اعتبار المصالح التي تتجدد بتجدد الأزمان والمواقع بحيث مهما حدث شئ يعرض على موازينها العدلية فإن لم يوجد فيها ما يمنعه لم يتوقف في الانتفاع به خصوصا مع القول بالإباحة الأصلية "
ويرى ابن عاشور أن الاقبال على العلوم الدنيوية من شأنه أن يجعل المسلم مواكبا لعصره فهي تبعد عنا "وصمة البعد عن مناهج التمدن وتهمة عدم اللياقة بالأزمان الأخيرة "
على أن الشيخ بن عاشور يؤكد ضرورة تنقية هذه العلوم من كل ما قد يمس بالعقيدة الإسلامية عند ترجمتها ونقلها وفي ذلك وعي من الشيخ بعدم حيادية العلوم
أوجه الاستفادة المعاصرة من رؤية بن عاشور لإصلاح التعليم
كيف يمكننا أن نستفيد مما طرحه الشيخ بن عاشور من رؤية إصلاحية حول التعليم في العالم الإسلامي ؟وهل من الضروري أن نجعل منه منطلقا لبحث قضايا معاصرة ؟
أما السؤال الأخير فرغم أن الشيخ يعيب على الأمة التقليد وعدم الاجتهاد إلا أننا ننطلق من قناعة أن الاستفادة من المنجز الفكري السابق لنا مهما كان مصدره مهم منهجيا لنربح الجهد والوقت وهو الشئ نفسه الذي تحسر على فواته الشيخ بن عاشور حين أكد أن الخلل السائد في مناهج التعليم في زمنه أضاع عليه فرصة هامة وزمنا غير يسير في شبابه لتوجيه طاقاته في ما هو اهم من بعض الامور التي أجبر على تحصيلها ،ثم إنه مهم من الناحية المضمونية لأنه ييسر لنا الاطلاع على ما كان سائد في زمن لم نعشه لكن أثره مايزال يلاحقنا فعلا وتحكما في طرق ومناهج التفكير عندنا ،لذا يكون من الضروري البحث عن أوجه استفادة منهجية ومضمونية من هذه الرؤية بعد تنقيتها مما لم يعد يستجيب لشروط حاضرنا ومستقبلنا وهي في تقديرنا كما يلي :
العمل على الخروج من حالة الانفصام التي يعيشها المسلم بين ما يعتقد أنه شرعي و أنه دنيوي فهذا التفريق عند ابن عاشور وهم وزيف معيق عن التطور وهي قاعدة أسس لها الشيخ في بحثه عن مقاصد الشريعة حين أكد أن الفقه مهمته دنيوية وليست أخروية
و تزداد أهمية هذا التعريف و تميزه بالنظر إلى الإطار الذي يتنزل فيه باعتباره قانونا للأمة "في حاضر الأمور و عواقبها و ليس المراد بالآجل أمور الآخرة لأن الشرائع لا تحدد للناس سيرهم في الآخرة " و قد نبه الشيخ إلى ذلك فجعل من التشريع قانونا للأمة يختص بسير الناس في الدنيا ويخضع لنسق هو المقاصد العامة و" شأن النسق أن يحدد ملامح المنظومة و مركزاتها و ما به تتميز" و قد بدا وجه التميز في ارتباط المقاصد العامة كنسق للأحكام و التشريع و بين الفطرة في السمات العامة التي حددها الشيخ للتشريع إذ جعل منها قانونا زمنيا أو إذا شئنا دفع الملاحظة إلى أقصاها و بتعبير عصري قانونا مدنيا باعتبار اختصاص شؤون الدنيا بناءا على مصلحة العباد بهدف الحفاظ على نظام العالم فيكون قانون الأمة الذي هو التشريع قانونا مبنيا على النظام و مؤسسا له لأن "الشريعة مبناها و أساسها على الحكم و مصالح العباد و المعاد وهي عدل كلها و رحمة كلها فكل مسألة خرجت من العدل إلى الجور و من الرحمة إلى ضدها و من المصلحة إلى المفسدة و من الحكمة إلى العبث ليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل فالشريعة عدل الله بين عباده و رحمته بين خلقة و ظله في الأرض" .


هلوم ،دنيا ،آخرة ، استفادة ،علاقة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع