على قدر طموح القيادة ينمو البلد
13/09/2019 القراءات: 4219
يعتبر مدخل القيادة السياسية من أهم المداخل التي تستخدم في تحليل الأنظمة السياسية، ومرد ذلك إلى دور القيادة في صناعة القرار ورسم السياسات العامة وتعبئة الموارد وبناء المؤسسات وتوجيه السياسات نحو تحقيق الأهداف الإستراتيجية لكل بلد. غير أن دور القيادة وتأثيرها وطبيعة دورها يختلف باختلاف الأنظمة السياسية وفي نفس الوقت يختلف من بلد إلى آخر.
وبالنظر إلى مجموعة من الحالات الموجودة حاليا في العديد من الدول، يمكن الحديث عن نموذجين من القيادة: القيادة للانجاز والقيادة للبقاء. بالنسبة للنموذج الأول يقصد به القيادة التي تطمح إلى تحقيق انجازات ومكاسب إستراتيجية لبلدانها، وتعمل على تعبئة الموارد البشرية والمادية والمالية من أجل بناء القوة وتحقيق الانبعاث الحضاري، وعادة نجد أن هذا النوع من القيادة منسجما مع هوية مجتمعه ويتناغم مع طموحات شعبه. وفي هذا الإطار يمكن ذكر العديد من الأمثلة الناجحة للعديد من القادة الذين تركوا بصمات واضحة في مسار بلدانهم. ولعل أبرز مثال هنا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي قبل مجيئه إلى الحكم في مارس 2003 كانت تركيا تحتل المرتبة 111 عالميا وكانت صادراتها لا تتجاوز 35 مليار دولار فقط، وكانت تركيا بلدا مفلسا خاضعا لشروط صندوق النقد الدولي، غير أن اردوغان وحكومته استطاع أن ينقل تركيا إلى الاقتصاد 16 عالميا وهي الآن تصدر أكثر من 150 مليار دولار ويدخلها سنويا ما لا يقل عن 36 مليون سائح سنويا، واستطاعت تركيا تخفيض وارداتها من الأسلحة من 80 بالمائة إلى 40 بالمائة. وقد أشارت الحكومة التركية أن الاقتصاد التركي حقق اعلى نسبة نمو اقتصادي في العالم عام 2017 بنسبة 11.7 بالمائة.
نفس الكلام ينطبق على ما فعله مهاتير محمد في ماليزيا عندما تولى الحكم في بداية الثمانينيات حيث استطاع في ظرف 20 سنة أن ينقل ماليزيا من بلد متخلف إلى بلد متطور ومصنع يتحكم في التكنولوجيات الحديثة بفضل الارتقاء بمستوى التعليم. وفي نفس السياق نجح فلاديمير بوتين أن يعيد بناء القوة الروسية، حيث استطاع أن يستثمر في مقومات القوة التي تمتلكها الدولة الروسية (الطاقة وصناعة الأسلحة) من اجل إعادة روسيا إلى واجهة السياسة الدولية.
إن الحديث عن اردوغان ومهاتير محمد وفلاديمير بوتين، ليس المقصود منه تمجيد هؤلاء القادة آو الانبهار بهم، بل المقصود هو الإشارة إلى أن طموح القيادة السياسية أمر مهم جدا وعامل مؤثر في نمو آو تخلف بلد ما، فهؤلاء القادة يتميزون بكونهم يمتلكون مشروع مجتمع ولديهم طموح بناء القوة لبلدانهم ولا يأتون إلى السلطة من أجل البقاء فيها بل يبقون في السلطة من اجل استكمال طموحهم لتطوير بلدانهم وجعلها في مصاف الأمم القوية.
في المقابل نجد أن النموذج الثاني يتعلق بالقيادة التي ترغب في البقاء على حساب الوطن غير مكترثة بحجم الأخطار التي قد تؤدي إلى ضياع الوطن، وهذا النموذج منتشر في بلداننا العربية، حيث نجد القائد يساوي نفسه بالدولة (شخصنة الدولة) ويعمل على تعبئة موارد الأمة من اجل نفسه ومن أجل بقائه، ولا يعتمد على شرعية الانجاز لتبرير بقائه بل يسعى جاهدا على إيجاد علاقة سببية بين رحيله وضياع الوطن. ولعل ما تشهده البلدان العربية من فوضى وحروب وأزمات هو دليل على فشل القادة العرب في بناء الدولة الحديثة والاجتهاد في تطبيق سياسات تؤدي إلى بقائهم لكن في المقابل تؤدي إلى فشل الدولة... ولهذا فعلى قدر طموح القيادة ينمو البلد أو يضيع الوطن.
القيادة، نمو، تخلف، الدولة
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة