مدونة الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو


الاشتقاق الكُبَّار أو النحت في اللغة العربية

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


05/07/2020 القراءات: 8002  


الاشتقاق الكُبَّار أو النحت في اللغة العربية
تعريفه: الاشتقاق الكبَّار أو النحت في أصل اللغة: "هو النشر والبري والقطع" [لسان العرب لابن منظور].
يقال: نحت النجَّار الخشب والعود إذا براه وهذَّب سطوحه، ومثله في الحجارة والجبال؛ قال الله تعالى: ﴿ وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ ﴾ [الشعراء: 149].
والنحت في الاصطلاح: أن تعمد إلى كلمتين أو جملة فتنزع من مجموع حروف كلماتها كلمة فذَّة تدلُّ على ما كانت عليه الجملة نفسها، ولما كان هذا النزع يشبه النحت من الخشب والحجارة سمي نحتًا.
وهو في الاصطلاح عند الخليل بن أحمد: "أَخْذُ كلمة من كلمتين متعاقبتين واشتقاق فعل منها" [انظر: العين؛ للخليل بن أحمد؛ تحقيق: مهدي المخزومي وغيره، ط دار الرشيد ببغداد، سنة 1980م: 1/60].
ويعد عبدالله أمين هو أوَّل مَن أطلق هذه التسمية (الاشتقاق الكُبَّار) على النحت؛ فيقول: "وقد أسميته الكبَّار بالثقيل؛ لأن الكبَّار أكبر من الكبَار بالتخفيف، والنحت أكبر أقسام الاشتقاق السابقة" [الاشتقاق: ص391].
ويعتبر الخليل بن أحمد (ت 175هـ) هو أوَّل مَن اكتشف ظاهرة النحت في اللغة العربية حين قال: "إن العين لا تأتلف مع الحاء في كلمة واحدة لقُرْبِ مخرجيهما، إلاَّ أن يشتقَّ فعل من جمع بين كلمتين مثل (حي على) كقول الشاعر:
أَقُولُ لَهَا وَدَمْعُ العَيْنِ جَارٍ ** أَلَمْ يَحْزُنْكِ حَيْعَلَةُ المُنَادِي؟!
فهذه كلمة جمعت من (حي) ومن (على)، ونقول منه (حيعل، يحيعل، حيعلة..." [العين للخليل: 1/60].
وقد انفرد العلامة محمود شكري الألوسي حين أدرج النحت في باب الاشتقاق الأكبر! فقال: "و(النحت) بأنواعه، من قسم (الاشتقاق الأكبر)" [الاشتقاق والتعريب"؛ للشيخ عبدالقادر بن مصطفى المغربي: ص13].
وهذا الإدراج غير مرض لأن الاشتقاق أن تنزع من كلمة، أما النحت فأن تنزع من كلمتين أو أكثر، وتسمى الكلمة المنزوعة منحوتة.
صور النحت في اللغة العربية عديدة أهمها:
1-تأليف كلمة من جملة لتؤدِّي مؤدَّاها، وتفيد مدلولها، كـ(بسمل) المأخوذة من (بسم الله الرحمن الرحيم)، و(حيعل) المأخوذة من (حي على الصلاة، حي على الفلاح)، وما ورد في كلام العرب:
لَقَدْ بَسْمَلَتْ لَيْلَى غَدَاةَ لَقِيتُهَا ** فَيَا حَبَّذَا ذَاكَ الحَبِيبُ المُبَسْمِلُ
2-تأليف كلمة من المضاف والمضاف إليه، عند ذكر النسبة إلى المركب الإضافي إذا كان عَلمًا؛ كـ(عبشمي) في النسبة إلى عبدشمس، و(عبدري) في النسبة إلى عبدالدار.
3-تأليف كلمة من كلمتين أو أكثر، من ذلك (طبرستان) و(خوارزم) مثلاً، تنحت من اسميهما اسمًا واحدًا على صيغة اسم المنسوب، فتقول: (طبرخزي)؛ أي: منسوب إلى المدينتين كلتيهما، ويقولون في النسبة إلى أبي حنيفة والشافعي (حَنَفْشَعِي).
ومنه أيضاً: (لن) الناصبة، ويرى الخليل أنها مركبة من (لا) النافية و(أن) الناصبة و(هلم): يرى الفرَّاء أنها من (هل) الاستفهامية، ومن فعل الأمر (أُمَّ) بمعنى أقصد وتعال، وقيل: إنها مركبة من (هاء التنبيه) و(لم) بمعنى ضم، و(أيَّان) الشرطية مركبة من (أي، آن) فحذفت همزة (آن) وجعلت الكلمتان كلمة واحدة متضمنة معناهما، ووجود هذا رهن الخلافات بين العلماء.
ويذكر سيبويه عما يقال في هذا العصر مِن مثل: (اقْعُدْ عَلْكُرسي، وصلَّ عالنبي، واقفز عَلْمَاء، وركبتُ عَلْفَرس): هي عربية.
وقد أورد القدماء تركيبين مستعملين، هما:
1-حذف النون والواو من (بنو)، في مثل: (بنو الحارث، وبنو العنبر)، فيُقال: بَلْحَارث، وبَلْعَنْبر، ويستخدم هذا الحذف في بلاد المغرب العربي الآن كثيراً مثل: بَلْحَسَن وبَلْغَرْبي.
2-حذف اللام والألف من (على)، في مثل: (على الماء)، فيُقال: عَلْمَاء، عَلْكُرسي، عَالَلُوح.
ولكن للأسف الشديد الآن بزعم الاختصار يكتبون بالوسائل الحديثة في لغة تدوين المحادثات: (ع المكتب) =على المكتب، (فالبيت)=في البيت، وحينما يأتون للاختصار المطلوب لغوياً يناقضون أنفسهم بإضافة الحروف خطأ مثل: (لم أرى)=لم أرَ، و (ذهبتي)=ذهبتِ..!
الغرض من النحت:
الغرض هو تيسير التعبير بالاختصار والإيجاز، فالكلمتان أو الجملة تصير كلمة واحدة بفضل النحت، يقول ابن فارس: "العرب تنحت من كلمتين كلمة واحدة، وهو جنس من الاختصار، وذلك مثل: (رجل عبشمي) منسوب إلى اسمين" [الصاحبي؛ لابن فارس: ص227]، هما عبد وشمس.
وهناك تأويلات ألفاظ قائمة على وجوه فكهة يمكن حملها على النحت؛ وذلك كالذي أورده الجاحظ (ت 255هـ) عن أبي عبدالرحمن الثوري، إذ قال لابنه: "...أي بني، إنما صار تأويل الدرهم دار الهم، وتأويل الدينار، يدني إلى النار"
ومنه: "كان عبدالأعلى إذا قيل له: لِمَ سمي الكلب سلوقيًّا؟ قال: لأنه يستلُّ ويلقي، وإذا قيل له: لم سُمِّي العصفور عصفورًا؟ قال: لأنه عصى وفر" [البخلاء؛ للجاحظ؛ تحقيق طه الحاجري، ط دار المعارف بمصر، سنة 1958م: ص106].
مذهب ابن فارس في النحت:
لقد استهوت ابن فارس فكرة النحت وطبَّقها على أمثلة كثيرة في كتابه "مقاييس اللغة"، فخرج علينا بنظرية مفادها: أن أكثر الكلمات الزائدة على ثلاثة أحرف، منحوت من لفظين ثلاثيّيْن.
يقول ابن فارس في كتابه "مقاييس اللغة": "اعلم أن للرباعي والخماسي مذهبًا في القياس يستنبطه النظر الدقيق؛ وذلك أن أكثر ما نراه من كلماته منحوت، ومعنى النحت: أن تُؤخَذ كلمتان وتُنحَت منهما كلمة تكون آخِذة منهما جميعًا بحظ، والأصل في ذلك ما ذكر الخليل من قولهم: (حيْعَل) الرجل إذا قال: (حي على)" [مقاييس اللغة"؛ لابن فارس؛ تحقيق عبدالسلام هارون، ط دار إحياء الكتب العربية سنة 1366هـ:1/328، 329].
ومن هنا نستنتج أن ابن فارس مسبوق في نظريته؛ حيث يتحتَّم من نصِّه في "المقاييس" بأن الخليل بن أحمد قد سبقه في مذهبه المذكور وأنه يسير على طريقته في ذلك.
ويقول ابن فارس في كتابه "الصاحبي": "العرب تنحت من كلمتين كلمة واحدة، وهو جنس من الاختصار، وهذا مذهبنا في الأشياء الزائدة على ثلاثة أحرف، فأكثرها منحوت؛ مثل قول العرب للرجل الشديد: (ضبطر)، من (ضبط وضبر)" [الصاحبي"؛ لابن فارس: 271].


الاشتقاق الكُبَّار، النحت، الاشتقاق الأكبر، منحوت


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع


موضوع ثري مفيد. شكرا جزيلا لكم.