مدونة ناصر عبد الكريم الغزواني


التكامل المعرفي بين العلوم

ناصر عبد الكريم الغزواني- أستاذ مشارك | Nasser El Ghuzawany


30/09/2020 القراءات: 4520  


من ضمن أهم الثقافات الغائبة بين معشر الجامعيين في جامعاتنا الليبية والتي تؤثر بالسلب على مردودها العلمي والمعرفي هو انعدام التواصل المعرفي البيني بين أعضاء هيئة التدريس سواء داخل التخصص الواحد أو بين التخصصات المختلفة والتي تصب في النهاية إلى نتائج جيدة تخدم المعرفة الإنسانية. إن لهذه الظاهرة المؤسفة تفسيرات متعددة يرجع أهمها وأقواها بالتأكيد لغياب الروح العلمية التي تدفع وتحرك الإنسان للتأثير والتأثر بالغير, بحيث أن استمرار مثل هذه الأمور ضمن سياق ما يطلق عليه " التكامل المعرفي" سوف يقود حتما نحو تطور ونهضة المجتمع أو على الأقل التخلص من جميع أو معظم السلبيات والأمراض الاجتماعية والنفسية الموجودة. وذلك على اعتبار إن تطور المعارف والثقافات الجامعية هو الأساس في تطور المجتمع مع ازدهار الجامعات ورفع سمعتها وتصنيفها العلمي بين الجامعات الدولية المختلفة من خلال المساهمة المحلية والدولية في نشر البحوث والمساهمات العلمية المختلفة عن طريق التعاون بين أعضاؤها العاملين فيها. ولا ننسي هنا أبدا القصور اللغوي الفاضح فيما يتعلق بالمعارف المكتسبة بواسطة اللغة الانجليزية " لغة العلم الأولى" فلا يمكن أن نطلق على حامل ماجستير أو دكتوراه لقب "باحث" اذا لم يكن عنده تمكن " ولو بسيط" من لغة العلم. كما لا ننسى أيضا كأحد أبرز أسباب الضعف الأكاديمي وهو التخرج من جامعات محلية ودولية ليس لها من القوة الكافية ما يدفع للافتخار بها أو اكتساب أي مستوى علمي أو بحثي. ومما لاشك فيه هنا أن التقوقع والانعزال العلمي عن الآخرين وعدم قبول التواصل والتعاون العلمي ..هو من أكثر العقبات التي تؤثر على مردود وأداء الجامعات الليبية وتصنيفها الدولي بين الأمم, بل أن التحجج ببعض الحجج الواهية مثل بعض الملابسات والظروف الصعبة وانعدام الإمكانيات هو من نسج الخيال لأن الرغبة الصادقة في النهوض بالعلم والمعرفة لا يوقفها أي شئ..بل أن الظروف الصعبة قد تعمل بمثابة المحفز الخفي " كما أشار برنارد شو من قبل" سعيا نحو تحقيق التنمية العلمية "ولكن يستثنى من ذلك الأعمال التي تتطلب تكامل جماعي لتحقيق أهداف معينة". إن هذا التكامل بين التخصصات العلمية المختلفة يظهر أثره جليا واضحا من خلال بعض الأمثلة, فلو تبنينا كلية الآداب والعلوم في جامعة ما كمثال, كأبرز كلية تضم العديد من التخصصات, على سبيل المثال : من الممكن إقامة بحوث علمية مشتركة بين الأقسام العلمية الأكثر تشابها مثل قسمي علم النبات علم الحيوان " اشتراك في خصائص النبات والحيوان" – قسمي الجغرافيا والجيولوجيا " خصائص ومظاهر سطح الأرض" – قسمي التاريخ والآثار " المواقع الأثرية والتاريخية المشتركة"- قسمي علم الاجتماع وعلم النفس " الدراسات الديموغرافية المختلفة"- قسمي الإعلام والحاسب الآلي " تطبيقات خاصة بالإعلام الالكتروني". ومن الممكن أيضا تصور وجود تكامل بيني بين هذه الأقسام ومثيلاتها الأقل تقاربا كما هو الحال في العلاقة بين تطبيقات الحاسب الآلى والترويج للآثار والسياحة أو دراسة الظواهر التاريخية الخاصة بالمتغيرات الجغرافية والجيوغرافية أو علاقة الوسائل الإعلامية المختلفة بالمتغيرات الاجتماعية والنفسية.....الخ. ومن الجدير بالذكر أيضا وجود الترابط المعرفي في الكثير من الأحيان ليس بين الأقسام العلمية داخل الكلية فحسب, بل أيضا بين الكليات ذات التخصصات المختلفة, على سبيل المثال: من الممكن تصور وجود علاقة معرفية وثيقة بين تخصصي الجغرافيا والاقتصاد " الدراسات الخاصة بالجغرافيا الاقتصادية" بين تخصصي الهندسة والجيولوجيا أو بين الهندسة والحاسب الآلي, بين تخصصي الاقتصاد والإعلام, بين تخصصي الطب والجغرافيا " استخراج الأدوية والعقارات من مظاهر سطح الأرض المختلفة"... الخ بل يمكن أن نقول أن هناك تخصصات ترتبط تقريبا بجميع العلوم كما هو الحال بالنسبة لتخصصات مثل القانون والتاريخ والسياحة , حيث نجد ترابط معرفي وثيق للغاية بين التخصصات الثلاثة المذكورة بجميع العلوم تقريبا سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. بل أن هناك تخصصات مثل اللغة الانجليزية ترتبط مباشرة بجمبع العلوم من خلال الحركات الخاصة بالترجمة والتفسير . وهنا نقول: إن التأزم الكبير الذي نعاني منه ليس مرده أوضاع معيشية أو مجتمعية أو سياسية صعبة , لكن مرده كره وبغض عميق للكتاب والقراءة بصفة عامة, مرده انتماؤنا لمجتمع " مع كامل الاحترام للشرفاء القارئين لكلماتي" ..نقول مجتمع كما يقول أحد الكتاب : يعادي الحروف ويصادق الألوف ..ولا يصادق الحروف إلا إذا كانت مصدر للألوف!؟ نعاني من أكاديميين وباحثين مزيفين "في الغالب" لاينشدون الوصول الي مجتمع المعرفة الحقيقية " بل توظيف المعرفة" ولا يذهبون إلى الفهرس وعناوين المواضيع سوى لإنجاز بحوث علمية لخدمة أهداف خاصة مثل الحصول على ترقيات علمية. لم نعد نقرأ لأننا نريد أو نحب القراءة أو لأننا نريد تكوين شخصية علمية قوية محترمة يستفيد منها مجتمعنا, بل نذهب للقراءة لأننا مضطرين إليها للوصول لمناصب ودرجات معينة !! الجهل المركب هو أخطر ما نعاني منه في جامعاتنا ومؤسساتنا وهذا الجهل " كما يقترح أحد المفكرين" يقسم المجتمع إلي قسمين : قسم لا يقرأ وهو القسم الأعظم من المجتمع وينتشر بكثرة في مؤسساتنا التعليمية , وقسم أخر يقرأ ولكن بطريقة مصلحية شخصية تعتبر أبشع من الذي لا يمارس القراءة أصلا!؟ إن هذا الوضع المجتمعي المريض ثقافيا يلقي بظلاله السيئة جدا على الجامعات التي لو نطقت لقالت : لا أهلا بالأكاديميين بمساميرهم الناتئة التي تمزق أوصالي المتهالكة ... ولا سهلا بالباحثين المزيفين الذين جاءوا من بعيد لقتلي وقتل الأخلاق... ولا مرحبا بجهل من كنا ننتظر منهم تخليصنا من الجهل .


المعرفة- التكامل- العلوم


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع