(النبوغ المغربي الذي يمثله الحافظ الناقد الشيخ عبد الله بن الصديق الغماري الطنجي الأزهري المغربي)
د. محمد أرارو | Dr. mohamed ararou
16/04/2021 القراءات: 4584
إن من جملة اجتهادات الشيخ العلامة المحدث الفقيه الأصولي سيدي عبد الله بن الصديق الغماري رحمه الله تعالى، ما أورده في معرض حديثه عن تحديد مراتب أهل الحديث.
فقد نقل (رحمه الله تعالى) في رسالته الماتعة: "توجيه العناية لتعريف علم الحديث رواية ودراية" عن الإمام المناوي رحمه الله أنه ذكر في شرح الشمائل ناقلا عن الإمام المطرزيرحمه الله مراتب أهل الحديث على الشكل الآتي:
1- الطالب: وهو المبتدئ.
2- المحدث: وهو من تحمل روايته واعتنى بدرايته.
3- الحافظ: وهو من حفظ مائة ألف حديث بالمتن والإسناد.
4- الحجة: وهو من أحاط بثلاثمائة ألف حديث.
5- الحاكم: وهو من أحاط بجميع الأحاديث المروية.
ونقل الإمام القاري الحنفي في شرح الشمائل عن الإمام ابن الجوزي الحنبلي رحمهما الله تعالى ما يلي:
1- الراوي: ناقل الحديث بالإسناد.
2- الحافظ: هو من روى ما يصل إليه، ووعى ما يحتاج لديه.
ثم عقب الشيخ عبد الله بن الصديق على ذلك قائلا: ترتيب المطرزي اشتهر عند المتأخرين، ونقلوه مسلمين له، ومعتمدين عليه، وتقليدا من غير تمحيص، مع أنه خطأ لا يوافق ما عند أهل الحديث.
ثم حقق رحمه الله هذه المراتب بعد ذكر تلك المراتب السابقة قائلا: وأهل الحديث لا يعرفون هذه المراتب، ولا يعترفون بها لأنها تخالف ما اصطلحوا عليه.
فالطالب: هو المبتدئ في كل علم وليس خاصا بأهل الحديث.
والحجة: من مراتب التعديل لا الحفظ، وهي فوق الثقة كما نص عليه الذهبي في تذكرة الحفاظ.
وأما الحاكم: فلا علاقة له بالحفظ ولا بالعدل، بل هو لقب عائلي لبعض الحفاظ والمحدثين، منهم أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم النيسابوري الحافظ، صاحب المستدرك على الصحيحين، ومعرفة علوم الحديث وغيرهما، ويعرف بابن البيع (ت:405هـ).
ويواصل الحافظ عبد الله بن الصديق كلامه قائلا: والعجيب أن المتأخرين تمالئوا على نقل كلام المطرزي تقليدا بدون تمحيص. والواقع أن مراتب الحفظ عند أهل الحديث على الوجه الآتي: مسند بكسر النون، ثم محدث، ثم مفيد، ثم حافظ، ثم أمير المؤمنين في الحديث.
ثم ذكر تلك المراتب محررا لها على الشكل التالي:
1- المسند: وهو من يعنى بالإسناد من حيث اتصاله أو انقطاعه، أو تسلسله بصفة معينة وإن لم يكن له خبرة بالمتون.
2- المحدث: وهو من سمع الكتب الستة والموطأ وسنن الدارمي والدارقطني والبيهقي ومستدرك الحاكم ومسند الإمام أحمد، وسمع إلى جانب هذه الكتب ألف جزء حديثي وحفظ جملة مستكثرة من المتون، ويكفي عن الحفظ في هذا الوقت أن يراجع أحاديث الجامع الصغير مرات حتى تعلق أحاديثه بذهنه بحيث يستحضر حديثا منها إذا شاء، ويشتمل الجامع الصغير على نحو عشرة آلاف حديث فيها الصحيح والضعيف والحسن والموضوع، فمن أحاط بها واستحضر معانيها، وعرف مظانها، مع بقية الشروط السابقة كان محدثا.
3- المفيد: هو من جمع شروط المحدث، وتأهل لأن يفيد الطلبة الذين يحضرون مجالس إملاء الحفاظ، فيبلغهم ما لم يسمعوه، ويفهمهم ما لم يفهموه، وذلك بأن يعرف العالي والنازل والبدل والمصافحة والموافقة، مع مشاركة في معرفة العلل.
4- الحافظ: اختلف في تعريفه بين مشدد ومخفف، وأعدل التعريفات فيه أنه من جمع شروطا ثلاثة:
1- حفظ المتون، ولا يقل محفوظه عن عشرين ألف حديث.
2- حفظ أسانيدها وتمييز صحيحها من سقيمها.
3- معرفة طبقة الرواة وأحوالهم طبقة بعد طبقة، بحيث يكون من لا يعرفه أقل ممن يعرفه، حتى إذا قال في راو لا أعرفه، أعتبر ذلك الراوي من المجهولين. ويتفاوت الحفظ بتفاوت كثرة محفوظاتهم وقلتها.
ثم الحافظ نوعان:
أ- حافظ على طريق الفقهاء: كالطحاوي، والبيهقي، والباجي، وابن العربي المعافري، والقاضي عيا ض، والنواوي، وابن تيمية، وابن كثير.
ب- حافظ على طريقة المحدثين: وهم معظم الحفاظ.
والحافظ على طريق المحدثين، أكثر حفظا وأوسع رواية، وأعرف بأحوال الرجال وطبقاتهم، وأدرى بقواعد التصحيح والتضعيف لتمكنه في معرفة العلل وغرائب الحديث.
5- أمير المؤمنين في الحديث: وهى الرتبة العليا في الحفظ، لا رتبة فوقها، واستحدثت هذه الرتبة في المائة الثانية للهجرة. ولا يستحق هذا اللقب من الحفاظ إلا من توفرت فيه الشروط الآتية:
أ- شدة الإتقان والضبط بنوعيه: ضبط صدر، وضبط كتاب.
ب- التبريز في العلل أو الرجال.
ج- أن يؤلف كتابا له قيمته العلمية، كبير الأمر في موضوعه، أو يتخرج عليه حفاظ مهرة.
ولعزة اجتماع هذه الشروط، لم ينل هذا اللقب من الحفاظ على كثرتهم إلا نفر قليل منهم لا يتجاوز عددهم عشرين. منهم الإمام مالك بن أنس الأصبحي صاحب المذهب، والإمام البخاري، وشعبة، ومحمد بن اسحق، وعبد الله بن المبارك، ومحمد بن يحيى الذهلي، وإسحق بن راهويه، والحافظ ابن حجر وهو خاتمتهم، ولم يأت بعده من نال هذه الرتبة بحق.
المصدر: (توجيه العناية لتعريف علم الحديث رواية ودراية) للعلامة عبد الله الغماري قدس الله سره، ص: 14-16.
النبوغ، الشيخ، ابن الصديق، علوم الحديث، النقد.
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف