مدونة أ.د. حسن منديل العكيلي


التخطيط والسياسات اللغوية

أ.د. حسن منديل العكيلي | prof. Hassan Mendeel Hassan


21/10/2019 القراءات: 5762  


إن التعامل مع القضايا اللغوية لم يعد عشوائياً، بل من خلال دراسة واقعها، والتنبؤ بمستقبلها والتخطيط له. أما في بلداننا العربية اليوم فلن يرقى التخطيط والسياسة اللغوية الى المستوى المطلوب. ولا سيما في العراق موضوع البحث. اذ يعاني العراق منذ سنة 2003 من تحديات كبيرة ومشكلات عسيرة في مجالات عديدة منها: السياسية والاقتصادية والادارية والتعليمية والاجتماعية والاعلامية والأمنية والصناعية والزراعية ... وغيرها. أما السياسات اللغوية والتخطيط اللغوي فقد اتسمت بالضعف. ومن مظاهر هذا الضعف:
تعطيل المجمع العلمي العراقي الذي كان يتولى العناية باللغة العربية ورسم السياسة اللغوية في العراق بل اخضاعه للمحاصصة . أما بيت الحكمة وهي أعلى مؤسسة علمية اليوم في العراق لارتباطها برئاسة الوزراء، فتعنى بشتى العلوم الانسانية الا علوم اللغة العربية.
التهاون بتطبيق قانون سلامة اللغة العربية لسنة 1973 الذي يعد أقوى قوانين المحافظة على لغة الضاد. أما قانون اللغات العراقي لسنة 2014 فلم يقرّ اللغة العربية اللغة الرسمية للدولة وانما مشتركة مع اللغة الكردية في جميع مناطق العراق فضلا عن إقليم كردستان، الذي باتت اللغة العربية فيه مهددة بالانقرض.
وتكاد تنحسر اللغة العربية تدريسا ودراسة على وفق مناهج قديمة في أقسام اللغة العربية في الجامعات، وهي أقسام معزولة عن المجتمع ومؤسسات الدولة الثقافية والاعلامية وكذلك السياسية.
فضلا عن أن الغالبية العظمى من تدريسيي اللغة العربية ليسوا مبدعين. وهؤلاء ليس لهم أثر واضح وليس لهم فرص لبلوغ مواقع اتخاذ القرار ووضع السياسات اللغوية الرصينة والتخطيط اللغوي القويم.
أما الاعلام فعلى الرغم من عجلته الكبيرة في العراق وكثرة المؤسسات الثقافية والعلمية والمنظمات الحكومية وغير الحكومية الا انه لم تعن باللغة العربية ولم تدرك أهمية رسم السياسات والتخطيط المستقبلي لها، ناهيك عن المتصدين للمسؤولية في العراق وأصحاب القرار بالسياسات اللغوية والتخطيط بل باللغة العربية نفسها وبأهميتها في التكوين الثقافي والعلمي والاجتماعي للبلد..
مقدمة:
إنّ اللغة ليست مجرد وسيلة للتخاطب والتواصل فحسب، بل وعاء تحمل موروث الأمة الثقافي والعلمي والتأريخي. وتقيم روابط الاتصال والانسجام بين أبناء الأمة الواحدة. فهي انتماء وهوية.
وللعربية خصائص ومزايا، يضيق بنا المقام عن ذكرها في هذه العجالة. قال الإمام الشافعي: "لسانُ العربِ أوسع الألسنة مذهبًا، وأكثرها ألفاظًا، ولا يحيط بجميعِ علمه إنسانٌ غير نبي.". وقد تفردت اللغة العربية بالنظامين: نظام الإعراب. والنظام الاشتقاقي وهما ما لا يمكن أن يضعهما العقل البشري بالمواضعة أوالاصطلاح. كما نشهد في نظريات نشأة اللغة.
ومن خصائص العربية: أنها صالحة لكلِّ عصر وقد ظهرت شابة مكتملة من دون أن تمرّ بمرحلة طفولة وعاشت ألف وخمسمائة سنة حية متحركة، وهذا اعجاز بذاته. خلاف قوانين علم اللغة الحديث،. فما قاله امرؤ القيس، والنابغة، وعنترة نفهمه اليوم الا ما ندر. واللغات الأوربية تتغير معاجمها كل قرن تغييرا أساسيا في مفرداتها وقواعدها. فصار مَن يدرس الإنجليزية الحديثة لا يفهَم الإنجليزيَّة الوسيطة، فاحتاج دارِس الإنجليزيَّة إلى ترجمة روايات شكسبير ليَفهَمها. والتركي يجهل لغة أجداده العثمانية...
قال المستشرق آرنست رينان في كتابه: "تاريخ اللغات السامية": إن اللغة العربية بدأت فجأة على غاية الكمال، وهذا أغرب ما وقع في تاريخ البشر وصعب تفسيره. لم يدخل عليها إلى يومنا هذا أي تعديل أو تغيير مهمّ، فليس لها طفولة ولا شيخوخة، إذ ظهرت لأول مرة تامة مستحكمة. وقال مرجليوث:" أما اللغة العربية فابتداؤها أقدم من كل تاريخ ". وقال (جول فيرن) ان اللغة العربية لغة المستقبل. . هذه شهادات بعض علماء اللغة الغربيين.
ومن مزايا اللغة العربية انها لا تحتاج الى مزيد من العناء في رسم السياسات اللغوية كسائر اللغات لدعمها او نشرها فهي قوية لاسباب خارجية وليس في ذاتها كاللغة العربية. ولا سيما ان واقع العالم الغربي وأهدافه من وضع السياسات اللغوية تنأى عن الواقع العربي، وان طبعية لغاتهم ولاسيما اللغة الإنجليزية تختلف جوهريا عن لغتنا العربية للخصوصية التي تنماز بها، ولذلك ليس من وكدنا تطلبيق السياسات اللغوية الوافدة على اللغة العربية للخصوصية التي ينماز بها الواقع العربي واللغة العربية أيضا، ويمكننا أخذ ما ينفع لغتنا من خلال تجربة التخطيط اللغوي للغات العالمية التي تهيمن على الاقتصاد العالمي وسوق العمل والحياة الاجتماعية والثقافة كالانجليزية أو الفرنسية. كما كانت لغتنا العربية عندما اجتاحت العلم القديم بعد الإسلام، من غير أن يبذل العرب جهودا كبيرة أو أموالا طائلة أو أن يرسموا الخطط والسياسات لنشرها، انما انتشرت لاعجاب الشعوب بها، ولارتباطها بالاسلام والقرآن الكريم فأقبلت الشعوب عليها بشغف. فحري بنا أن نعتز بها والا نسعى في سياساتنا اللغوية للحفاظ عليها فقط لاطماع استعمارية أواقتصادية او عنصرية أو قومية. مثل سائر اللغات فاللغة العربية محفوظة وقد اثبت التأريخ والنكبات التي واجهتها بصلابتها وبقائها، وثمة قضايا مهمة منها: أن نخطط كيف نعرف العالم باسرارها وباعجازها ونقنع العالم بالسبل العلمية بصلاحيتها لتدوين المعارف والعلوم بها لحفظ الحضارة العالمية، لأنها لغة ثابتة لا تتغير ولأنها لغة المستقبل. خلاف اللغات. ونقنع العالم الإسلامي ان يجعل اللغة العربية اللغة الرسمية الأولى في بلدانهم كما كانت قبل عصر القوميات.
هذا ويقع البحث في مبحثين تسبقهما توطئة وتختمها خاتمة وتوصيات. تناولت في التوطئة التعريف بالتخطيط والسياسة اللغوية وأهميتمها. أما المبحث الأول فقد تناولت بايجاز السياسات اللغوية في العالم العربية. وفي المبحث الثاني واقع التخطيط والسياسة اللغوية في العراق. وفي الخاتمة أوجزت أهم مرامي البحث ونتائجه فضلا عن التوصيات. والحمد لله رب العالمين هو حسبي ونعم الوكيل.
...


التخطيط / السياسة اللغوية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع


احسنتم دكتور لكن النظام الجديد بعد 2003 ساهم بشكل كبير في اضعاف اللغة العربية وفي الخصوص في مجال التربية والتعليم عندما لصبح التعليم باللغة العربية ليس امرا الزاميا بل اصبح هنالك توجه لجعل المناهج في اللغة الانكليزية وعليه يمكن القول ان هنالك تخطيطا لغويا يراد منه اضعاف اللغة الام بل اننا نجد تهاونا كبيرا من خلال السماح لاساتذة الجامعات بالتدريس باللغة الانكليزية او استعمال العامية وكذلك الحال بالنسبة لمدرسي المدارس ولا اعتقد ان ذلك لم يكن مقصودا من الجهة المسؤولة عن ذلك في حين تذهب العديد من الدول باصدار قرارات توجب استعمال اللغة العربية لغة للتدريس والمنهج