مدونة الاستاذ الدكتور مقتدر حمدان عبد المجيد


اثر الفقر على النفس البشرية دراسة تاريخية

الاستاذ الدكتور مقتدر حمدان عبد المجيد الكبيسي | Prof. Dr. Muqtadir Hamdan Abdul Majeed


19/05/2020 القراءات: 5125  


الفقر وأثره على النفس البشرية
دراسة تاريخية

الأستاذ الدكتور
مقتدر حمدان عبد المجيد
جامعة بغداد / كلية التربية ابن رشد للعلوم الإنسانية

مقدمة :
وردت في القران الكريم آيات عدة تشير إلى الفقر وشدة وطأته على الناس . وهناك احاديث نبوية شريفة تذم الفقر وتحذر منه وتشخص عواقبه الكبيرة التي تدفع بالإنسان الذي يقع تحت وطأته إلى ارتكاب اشد المعاصي ومنها الكفر والعياذ بالله .
ومن هنا يتضح لنا ان الإسلام عَد الفقر قرين للكفر وان الأسباب التي قد تكمن في هذا الاقتران ، بين الفقر والكفر ، أن الفقير حين يرى الحرمان المادي الذي يعيشه ، ويقارنه بالرفاهية والرخاء الذي يتمتع بهما الأغنياء ، ربما تقع في نفسه بعض الشكوك حول العدالة الربانية المنزهة ، ويُزين له الشيطان ذلك وينميه ، وهو فتنة كذلك لأنه قد يدفع الفقير إلى السرقة أو الكذب وارتكاب المحرمات . فضلاً عما يعتريه من دوام الهم والحزن ، والانشغال بذلك عن العبادة وذكر الله ، أو عن القيام بها كما يجب ، بل قد تشغله عن واجبه في الكسب وطلب الرزق .
وكان الرسول صلى الله عليه واله وسلم يستعيذ من شر فتنة الفقر ، فبين أن للفقر فتنة كما للغنى فتنة . ومن فتنة الفقر عدم الرضا بما قسم الله للإنسان ، كما أن من فتنة الغنى البطر بأنعم الله .








الفقر لغة واصطلاحاً :
الفقر عند أهل اللغة : الحاجة ، وهو ضد الغنى ، والفقير أسوء حالاً من المسكين ، والفقير مكسور الظهر ، وهذا كناية عن الحمل الثقيل المترتب عليه من قلة المال .
واصطلاحاً : الفقير وهو الشخص القليل المال . وردت روايات كثيرة تشير إلى تخوف الناس من الفقر وتحذرهم منه ، فكانوا يحذرونه اشد الحذر ويحاولون جهد انفسهم ان لا يقعوا فريسة لهذه الحالة المعيبة التي قد تدفع الشخص إلى الموبقات والسرقة والكذب والاحتيال وأمور أخرى محرمة شرعاً ومذمومة من قبل المجتمع .
وقد وردت في القران الكريم آيات عدة تشير إلى الفقر وشدة وطأته على الناس ، منها قوله تعالى : ( الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) . وقوله عز من قائل : ( لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ ) . وما جاء في الآية الكريمة : ( لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ) .
وهناك احاديث نبوية شريفة تذم الفقر وتحذر منه وتشخص عواقبه الكبيرة التي تدفع بالإنسان الذي يقع تحت وطأته إلى ارتكاب اشد المعاصي ومنها الكفر والعياذ بالله . ففي هذا الصدد قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : ( كاد الفقر ان يكون كفراً ) ، وهذا انما يدفع بالمسلم للخروج من مضائق الفقر وشعابه ، إلى سبل التملك ورحابه ، سعياً وراء تحقيق المستوى الايماني الذي يصبوا اليه من آمن بالله سبحانه وتعالى .
وتأسيساً على ذلك قول الرسول صلى الله عليه واله وسلم : ( كاد الحسد يغلب القدر وكاد الفقر يكون كفراً ) ، ومن هنا يتبين لنا ان الإسلام عد الفقر قريناً للكفر وان الأسباب التي قد تكمن في هذا الاقتران ، بين الفقر والكفر ، أن الفقير حين يرى الحرمان المادي الذي يعيشه ويعتصره ، ويقارنه بالرفاهية والرخاء الذي يتمتع بهما الأغنياء ، ربما تقع في نفسه بعض الشكوك حول العدالة الربانية المنزهة ، ويُزين له الشيطان ذلك وينميه ، وهو فتنة كذلك لأنه قد يدفع الفقير إلى السرقة أو الكذب أو على الأقل دوام الهم والحزن ، والانشغال بذلك عن العبادة وذكر الله ، أو عن القيام بها كما يجب ، بل قد تشغله عن واجبه في الكسب وطلب الرزق .
ان العمل الذي يأمر به الإسلام هو العمل الصالح ، وقد ورد في القران الكريم العمل مقروناً بالإيمان في الكثير من الآيات . اذ يبغض الإسلام الفقر ويمقته ، ويحث على العمل الجاد الصالح المنتج المفيد للعامل وللمجتمع ، لأنه الطريق السليم إلى مكافحة الفقر والقضاء عليه .
لهذا وغيره فقد كان الرسول صلى الله عليه واله وسلم يستعيذ من شر فتنة الفقر فيقول : ( اللهم اني أعوذ بك من شر فتنة الغنى ، وأعوذ بك من شر فتنة الفقر ) ، فبين هنا أن للفقر فتنة كما للغنى فتنة . ومن فتنة الفقر عدم الرضا بما قسم الله للإنسان ، كما أن من فتنة الغنى البطر بأنعم الله .
ولما كان الفقر نتيجة الإهمال والضعف والعجز ، وكلها صفات نقص في بني البشر ، كان الفقر بعينه صفة نقص ينبغي الترفع والخروج منها ، وقد ادرك العرب هذه الحقيقة ، ففضلوا الموت على الفقر ، ومن ذلك نجد أن احدهم أوصى ابنه فقال : أعلم يا بني أن الموت افضل من الفقر . وقد تمثل ذلك احد الشعراء فقال :
لعمرُك إن القبرَ خيرٌ من الفقر لِمَن كان ذا يُسرٍ فأصبحَ ذا عُسر
ومَن لَم يزل يغذُ بأفضلِ نعمة مقيماً ولم يلحظ بان لـه الدهر
وللموت خيرُ من حياةِ مكرَمٍ ومن يسأل مُكِدياً أخـافـه الفقر


الفقر ، الاغنياء ، المال


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع