تنبيه الساجد لحكم تعطيل الجمع والجماعات وإغلاق المساجد [لفيروس كورونا] (2) الشبهات
دكتور حسن أبو الخير | Dr. HASSAN ABULKHAYR
11/06/2020 القراءات: 3459
لمن أفتى بوجوب إغلاق المساجد وتعطيل الجمع والجماعات شبهات، وهي مع جوابها:
1- استدلوا بقوله تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}.
الجواب: الاستدلال في غير موضعه؛ فإن قول السلف ومنهم: حذيفة وابن عباس وأبو أيوب الأنصاري والبراء بن عازب وغيرهم، أنها نزلت في النَّفقةِ؛ فإنَّ تمامَ الآية: {وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}.
قال ابن كثير: «مضمون الآية: الأمرُ بالإنفاق في سبيل الله في سائر وجوه القربات ووجوه الطاعات، وخاصة صرف الأموال في قتال الأعداء وبَذلُها فيما يَقْوَى به المسلمون على عدوهم، والإِخْبارُ عن ترك فعل ذلك بأنه هلاك ودمار إن لزمه واعتاده».
2- استدلوا بقوله تعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيمًا}.
الجواب: الاستدلال في غير موضعه، فقد قال ابن كثير: «قوله: {ولا تقتلوا أنفسكم} أي: بارتكاب محارم الله وتعاطي معاصيه وأكل أموالكم بينكم بالباطل، {إن الله كان بكم رحيمًا} أي: فيما أمركم به، ونهاكم عنه».
3- قولهم: هاتان الآيتان تدلان على وجوب تجنب الأسباب المفضية إلى هلاك النفس.
الجواب: الأسباب المفضية إلى هلاك النفس في الآيتين هي ترك الواجب أو فعل المحرم، فترك الواجب في الآية الأولى بترك الإنفاق في سبيل الله، وفعل المحرم في الآية الثانية بأكل الأموال بالباطل. فلا يستدل بهما إذن على تعطيل شعائر الإسلام الظاهرة.
بل استدلالهم مقدوحٌ فيه بالقَلْبِ؛ فإن تعطيل الجمع والجماعات من ترك الواجبات التي ورد النهي عنه في الآية الأولى.
4- استدلوا بحديث: «لا يُورد ممرِض على مصِحٍّ»، متفق عليه.
الجواب: مقتضى الحديث منعُ المريض من مجاورة الأصحاء، وبهذا أفتى شيخ الإسلام لما سُئِلَ عن: رجل مبتلى سكن في دار بين قوم أصحاء فقال بعضهم: لا يمكننا مجاورتك ولا ينبغي أن تجاور الأصحاء، فهل يجوز إخراجه؟
فأجاب: «نعم، لهم أن يمنعوه من السكن بين الأصحاء؛ فإن النبي قال: «لا يورد ممرض على مصح»، فنهى صاحب الإبل المراض أن يوردها على صاحب الإبل الصحاح، مع قوله: «لا عدوى ولا طيرة»، وكذلك روي أنه لما قدم مجذوم ليبايعه أرسل إليه بالبيعة ولم يأذن له في دخول المدينة».
5- استدلوا بحديث: «فر من المجذوم كما تفر من الأسد»، البخاري.
الجواب: مقتضى الحديث تجنبُ الأسباب التي يمكن أن تُفضي إلى المرض، ولهذا رخَّص الشرع لمن خشي المرض أن يتخلَّف عن الجمعة والجماعة.
6- استدلوا بحديث: «إذا سمعتم الطاعون بأرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها فرارا منه»، متفق عليه.
الجواب: هذا من تجنب أسباب المرض، وعليه فيصِحُّ التخلُّف عن الجمعة والجماعة لمن خشي المرض.
7- استدلوا بحديث الشريد بن سويد قال: كان في وفد ثقيف رجل مجذوم فأرسل إليه النبي: «إنا قد بايعناك فارجع»، مسلم.
الجواب: كالذي تقدم.
8- استدلوا بحديث: «لا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ»، مالك وابن ماجه.
الجواب: مفهوم الحديث عند العلماء: نفي الضَّررِ والضِّرارِ بغير حق، فالضرر نفسه منتفٍ في الشرع، وإدخاله بغير حق كذلك.
وإذا طبقنا هذا على مسألتنا، فيكون الحديث دالًّا على منع المريض الذي يُخشى منه انتقال المرض إلى غيره من الجمعة والجماعة، بل ومن كل تجمعات الناس؛ كي لا يَضُر بهم، وهذا ليس محل النزاع.
9- استدلوا بحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر مؤذِّنًا يؤذِّن ثم يقول على إثره: «ألا صلوا في رحالكم»، في الليلة الباردة أو المطيرة. البخاري.
الجواب: الحكم في الحديث هو الترخصُ لمن يخاف الأذى بمطر وَوَحَل ونحوه في التخلف عن صلاة الجماعة.
وبهذا بَوَّبَ الإمام البخاري عليه في صحيحه: باب الرخصة في المطر والعلَّة أن يصلي في رَحْلِه.
قال ابن حجر والقسطلاني: الأمر بالصلاة في الرِّحَالِ للإباحة لا للندب.
وجاء مصرَّحًا به في حديث جابر في صحيح مسلم قال: خرجنا مع رسول الله في سفر فمُطرنا، فقال: «ليُصلِّ من شاء منكم في رَحْلِه».
فتبين أن هذا القياس فاسدُ الوضع؛ لأنَّ الحكم في دليل الأصل ضد حكم الفرع.
مع كون هذا القياس أيضًا فاسد الاعتبار؛ لمخالفته النص والإجماع.
10- استدلوا بحديث: «من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن مسجدنا ولا يؤذينا بريح الثوم»، متفق عليه.
الجواب: قياسُ وجوب إغلاق المساجد وتعطيل الجمع والجماعات على نهي مَن أكل ما له رائحة كريهة عن قربان المسجد، قياسٌ فاسد الوضع؛ فإن الحكم في الدليل هو منع من به أذية لغيره من قربان المسجد، والحكم في الفرع هو منع كل الناس من قربان المساجد، فهو ضد حكم الدليل.
وهو قياس فاسد الاعتبار أيضًا؛ لمخالفته النص والإجماع.
11- قولهم: إن الأحاديث تدل على وجوب الاحتراز في حال انتشار الوباء.
الجواب: هذا حق؛ فإن الاحتراز الذي دلَّت عليه الأحاديث هو منع المريض من مخالطة الصحيح، والإذن للمريض ولمن خشي المرض بالتخلف عن الجمعة والجماعة.
وهذا نسلم به ونقول بموجبه، ولكنه لا يجديهم في قولهم بوجوب تعطيل الجمع والجماعات على جميع الناس وفي كل البلاد، وهو من قوادح الاستدلال.
12- استدلوا بقاعدة: «لا ضرر ولا ضرار»، «والضرر يزال».
الجواب: تقدم في استدلالهم بحديث: «لا ضرر ولا ضرار».
13- استدلوا بقاعدة: «وجوب حفظ النفس».
الجواب: الضرورات الخمس التي ذكرها العلماء: حفظ الدين، ثم حفظ النفس، ثم حفظ العقل، ثم حفظ النسل، ثم حفظ المال.
على هذا الترتيب، فكل واحدة منها مقدَّمةٌ على ما بعدها.
قال ابن النجار: يقدَّم حفظ الدين على باقي الضرورية.
ومن إقامة الدين إقامةُ شعائره الظاهرة وفي مقدمتها إقامة الجمع والجماعات، فكان وجوب حفظهما مقدَّمًا.
هذا على فرض أن هذا الإجراء لحفظ النفس، ولكنهم صرَّحوا أن هذا إجراءٌ احترازيٌّ من تفشِّي الوباء. فلم يكن إذن إجراءً ضروريًّا! فسقط الاستدلال رأسًا بحجة وجوب حفظ النفس.
ثم إنهم صرَّحوا أيضًا أنَّ نسبة الإصابة بهذا الفيروس هي 1% من البشر، فكيف تتحرَّزون من هذه النسبة القليلة جدًّا بتعطيل شعائر الإسلام الظاهرة، وتمنعون جميع المسلمين من تأديتها وفي جميع البلاد، وهي من حفظ الدين!
تعطيل، الجمع، الجماعات، إغلاق، المساجد، كورونا، شعائر، النفس، رحالكم، ممرض، الطاعون، قوادح، ضرر
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة