مدونة د.ليندة طرودي


قراءة في انتخابات الجزائر: الجد والهزل عبر مواقع التواصل الاجتماعي

ليندة طرودي | linda trodi


28/10/2019 القراءات: 5004  



تشهد مواقع التواصل الاجتماعي ضجيجاً صاخباً لن يخفّ وهجه إلى حين تمام هاته المدة والذهاب في اليوم المنشود إلى صناديق الاقتراع لكن السؤال المطروح ها هنا: هل المترشحون يفتحون الشهيّة للإقبال الشعبي القوي؟ أم أنّ العزوف بيِّن؟ لن نستطيع إنكار حجم الوعي الذي تشبّع به الشعب، إذ أنّ حديثهم عن السياسة قد تجاوز السطحية حتى من ليس لهم علاقة بالمجال أصبحوا خُبراء أثبتوا جدارتهم في التحليل أفضل بألف مرّة من المختصين الحقيقيين الذين اختاروا المكوث خلف الكواليس، وحينما اشتدّ الخناق حملوا ملفات الترشّح طامعين في ملأ الكرسيّ والاستحواذ على ما تبقّ من الأموال المنهوبة. إنّها الحقيقة فالشعب خرج مُطالباً بتنحية العصابة أباً عن جد، لكن هذه الأخيرة تأبى ذلك وها هي ذي تُعيد هيكلة نفسها من أجل ترسيخ الاستبداد أكثر، نحن في هذا المنبر نرفع القلم متسائلين هل الأسماء التي تمّ ترشُّحها ستمنح الجزائريين جُرعة أمل، أم ستوسّع من حجم الخيبة وتُغلق الأبواب أمام دولة العدالة والقانون؟ حينما تتصفّح حسابات بعض الناشطين أو من سمحوا لأنفسهم بأن يكونوا كذلك ستنهار قواك وتتلاشى تدريجيا، لأنّك ستُدرك وإن كان الوقت متأخراً نوعا ما بأنّ الوطن في طريقه نحو المجهول، فالجمهور الذي يُشجّع مثل تلك الشخصيات الانتهازية يا إمّا جمهور مُستهتر أو فاقد للبصيرة. للأسف النخبة غائبة او مُغيّبة، حتى أنّ المفاهيم قد تداخلت ولم نعد نُدرك المعنى الحقيقي للنخبة هل هي شخصيات مثقّفة واعية تستحق رفع المشعل، أم أنها شخصيات مُخرّبة ستحرق استعدادنا للتغيير بدل أن تُنير أفكارنا، فما عاد أحد يفهم شيئاً خاصة عقب ترشّح أسماء تُعتبر من الحرس القديم للنظام المرفوض شعبياً. استقبال المتفاعلين عبر مواقع التواصل لخبر ترشّح البعض ما يزال هزلياً بعيد عن الجدّية، لن نقول أنّ في الأمر استهتار، لكن يُمكن أن نقول بأنّها صدمة أدرك من خلالها أو سنقول أحسّ لأنّ الجو حالياً بعيد كل البعد عن العقلانية. نعم أحسّ المتفاعلون افتراضياً بأنّ السجّاد قد سُحب من تحت أقدامهم، وبأنّ المطالب التي بحّت الأصوات من أجلها قد ذهبت مع الريح، ولا حياة لمن تُنادي! هل الجزائر في طريقها لتحقيق الدولة المدنيّة؟ أي سينجح أحد المترشّحين في انقاذ البلاد من تحت الأنقاض بطريقة درامية أو أسطورية لا يهم، الأهم بأن يهدم أسوار الخيبة. هل الجزائر ما تزال على ذات السكة، وما حدث مجرّد وعكة أصابت النظام وها هو ذا يسترجع قوّته؟ هل حدثت موجة تغيير داخل النظام أو الأصح تبادل للمناصب فقط وكان الشعب مجرّد طُعم، أعطى الوقت للعصابة حتى تسقِ جذورها لتنمو بأريحية أكثر مستقبلاً! هل هي لعبة ستسمح لكبار الجنرالات بالسيطرة بطريقة مباشرة على سدّة الحكم وبرضا شعبي تام؟ بعد أن يفقد الأمل في كافة المترشحين سيلجأ إلى المؤسسة العسكرية كرهان أخير! كلّها أسئلة لا جواب لها حالياً، حتى أنّ الانتخابات لن تُعطينا الجواب بقدر ما ستفرض الأمر الواقع، لن نقول بأنّ التوقيت غير مناسب ولكن سنقول بأنّ المترشحين غير مناسبين، لأنّ البيئة ما تزال نفسها وحتى نجعلها صالحة للمستقبل يجب أن نضع البدائل السريعة قبل أن تُوضع لنا خارطة طريق مدروسة بحنكة تسد كل الثغرات وتفتح أبواب الحسرة على مصرعيها. فالشعب ككل وقف في الميدان وصاح بأعلى صوت وا جزائراه لكن ما من ملبٍّ للنداء، ربما الصدى يقول لنا أن نُراجع أفكارنا جيداً لأنّ المفاتيح بأيدينا لكن ما من أحد له الشجاعة لفتح أبواب التغيير، نحن كالذي تعلّق بالأعراف وجعل منها دستورا مقدسا يُلعن كل من يتجاوزه، لكنه تناسى بأنّ كل ما يضعه الإنسان قابل للنقد وإعادة البناء، قد تنقصنا الشجاعة كما ينقصنا الوعي الكثير، لأنّ النضج الفكري صديق التقدّم وهذا الأخير لن يحدث دون عطاء، والعطاء دون نخبة كسلّة جميلة لكن قاعدتها مثقوبة ليس باستطاعتها حمل شيء ولو لخطوة قصيرة. الدارس لأدبيات الديمقراطية سيُدرك بأنّ الانتخابات مرحلة مهمة في سيرورة ترسيخ دولة المؤسسات، لكن أن تكون النتائج لصالح أصدقاء الاستبداد فذاك لن يُحدِث خيراً، بل سندخل في مرحلة تعود بنا إلى الوراء لنتجرّع المزيد من التخلّف، والبطالة والفقر، لن نُحقّق الرفاه الاقتصادي الذي سيُخرجنا من أزمات كثيرة لن نستطيع أن نتدارك التطور الذي وصل إليه العالم، بل سنقف لنشاهد زوالنا واندثارنا. كتبت حتى أفتح أبواب النقاش، لعلّ هناك من سيقرأ ويُوصِل أصواتنا المبحوحة، لعلّ هناك من سيخرج لنا بحل أو بديل نتخطىّ به الهزل الحاصل، نحن بحاجة إلى الجدّية والمسرحية التي نشهدها حالياً ستنتهي ويُسدل الستار لكن هل سيُسدل على ماضٍ شبعنا فيه من الاستبداد؟ أم سيُسدل على مستقبل سيتكرّر حاملا معه تاريخاً طويلاً من الفساد والتهميش. لو نُدرك فقط بأنّ الشخص الذي سيحصل على أكبر نسبة أصوات ليس بالفارس المغوار، وإنما هو مجرد واجهة للنظام، وأنّ الصوت الذي سنمنحه مسؤولية والوقت ما زال للتفكير والتدبُّر قبل أن تنتهي المسرحية ويكون بطلها يا إمّا الشعب أو الاستبداد.


الجزائر ، الانتخابات، الديمقراطية، الاستبداد، الرفاه،الأزمة ، الشعب، النخبة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع