دور القدرات العلمي في التطور الاقتصادي
عدنان فرحان الجوارين | Adnan Farhan Aljawareen
16/10/2020 القراءات: 1966
القدرات العلمية تعني القدرة على التفكير العلمي السليم الذي يمكن أن يتجسد في شكل نتاج علمي قابل للتطبيق ويمثل إضافة إلى المعرفة. ويرى بعض الاقتصاديين أنها تعني مستوى التدريب والمهارة التي يتمتع بها المورد البشري في الدولة، ومدى قدرته على استيعاب التقنيات الجديدة واستخدامها وتطويرها، وهذا المفهوم يرتبط بمفهوم التنمية البشرية. إذ تعني التنمية البشرية بمفهومها العام تنمية شاملة للقدرات الذاتية وزيادة مهارات ومعارف جميع أفراد المجتمع. وتعد تنمية رأس المال البشري تعبئة للطاقات البشرية وبلورة لإمكاناتها المتعددة ومواهبها العقلية والجسدية لرفع مكانتها حتى يمكن استخدامها بصورة مبدعة في تحقيق الاستغلال الأمثل للموارد، وبذلك أصبحت العمالة الماهرة من محددات الاستثمار الأجنبي المباشر ونعني بالعمالة الماهرة، القدرة التي تمتلكها في مجال أداء المهمات التي تناط بها وفي جميع المجالات الإنتاجية والخدميــة بكفـاءة وعلى وفـق مواصفــات محددة لذلـك الأداء.
إن تنمية القدرات العلمية أصبحت من القضايا المهمة والملحة بوصفها عملية ضرورية لتحريك وصقل وتنمية القدرات والكفاءات البشرية في جوانبها العلمية أو العملية أو الفنية أو السلوكية، فهي وسيلة تعليمية تمد الإنسان بمعارف أو معلومات أو مهارات ترفع من قدرته على العمل والإنتاج، وهي أيضا وسيلة تدريبية تزود العنصر البشري بالطرائق العلمية والأساليب المتطورة والمسالك المتباينة في الأداء الأمثل، فضلا عن أنها وسيلة فنية تمنحه خبرات إضافية ومهارات ذاتية تعيد صقل قدراته العقلية ومهاراته اليدوية، وان الدعائم الأساسية لهذه العملية هي التربية والتعليم، والتدريب وتنمية القدرات.
وإذا ما عدنا إلى جذور الاهتمام بالقدرات العلمية للبشر ودورها في تحقيق التنمية والتقدم، نجد الاقتصادي مارشال (Alfred Marshall) في كتابه مبادئ الاقتصاد ( Principle of Economics)، يؤكد الدور الأساسي الذي يؤديه الفرد في إنتاج السلع ونمو الإنتاج وتطوره، كما يؤكد على أهمية التعليم في رفع إنتاجية الفرد، وعد أن أثمن استثمار لرأس المال هو ما يستثمر في البشر، لأن رأس المال البشري يتميز بسمة لا تتوافر في غيره، إذ أن منحنى إنتاجيته يتصاعد باتجاه منحنى خبراته ومهاراته نفسه وأن عمره المعنوي يتجدد مع تغيرات العصر ولا يندثر إلا بتوقف عمره الزمني ومعنى ذلك أنه لا يخضع لقانون تناقص المنفعة، فضلا عن ذلك فقد عد مارشال الاستثمار في المورد البشري استثمارا قوميا كونه يؤدي إلى اكتساب منافع مباشرة تتمثل في ارتفاع الدخول ومنافع غير مباشرة تتمثل في ارتفاع مستوى الخبرة والكفاءة .
ثم جاءت دراسة شولتز(Shultz T.) التي ركزت على تحليل العلاقة بين التعليم والنظام التربوي والنظم الاجتماعية الأخرى، وأشارت إلى أهمية الاستثمار في المورد البشري من الناحية الاقتصادية، كما بيّنت أن الاستثمار في العنصر البشري يعني توفير مستلزمات تطوير القدرة البشرية كالتعليم والتدريب والصحة، ثم جاءت بعد ذلك العديد من الدراسات والبحوث التي بينت أهمية رأس المال البشري في النمو الاقتصادي، وبعد ذلك جاءت الطفرة في كتابات روبرت سولو التي أوضح فيها أثر التقدم العلمي وتطور قوة العمل كعنصر مؤثر في النمو الاقتصادي، كما توصل العالم الاقتصادي النرويجي اوكرست إلى أن الزيادة في متوسط دخل الفرد عائدة للتحسن في العوامل البشرية، كما أكدت دراسة هاريبسون ومايرز على أن بناء الأمم يتوقف على تنمية البشر وتنظيم النشاط البشري وبشكل يفوق في نتائجه الاقتصادية والاجتماعية الاستثمار في الموارد المادية.
إن أهمية دور التربية والتعليم يتبين من خلال اكتشاف الطاقات البدنية والفكرية الكامنة لدى الإنسان وتطويرها، وهنا يؤدي قطاع التعليم دورا أساسيا في إعداد المتخصصين والفنيين والعمال المهرة خاصة في الدول النامية التي تعاني من نقص كبير في أعداد هؤلاء، وعليه فان توافر القدرات العلمية المحلية في بلد معين يخلص مسيرة التنمية في هذا البلد من عقبة الاعتماد على القدرات العلمية الأجنبية وما يكتنفها من مشكلات وعقبات تعرقل مسيرة التنمية، وتشير تجربة التصنيع في الدول المتقدمة إلى وجود علاقة قوية بين مستوى التقنية وأساليب الإنتاج من جهة، وهيكل القدرات العلمية ونظم التعليم من جهة أخرى، فالتقنيات التي يراد لها أن تطبق في إنتاج معين هي بحاجة إلى أسلوب إنتاج ملائم لها وقدرات علمية ومهارات بشرية تستلزمها هذه التقنية، فاستخدام تقنيات عالية يعني اعتماد أسلوب إنتاج متطور ومهارات بشرية عالية لا يمكن توفيرها إلا من خلال مستوى مرتفع من التعليم.
وقد أثبتت الدراسة التي قام بها شولتز العلاقة بين القدرات العلمية للفرد وبين النمو الاقتصادي، وحللت هذه الدراسة أسباب النمو الاقتصادي للولايات المتحدة للمدة (1900-1955 ) فأوضحت أن ارتفاع رأس المال الحقيقي بنسبة (1%) قد أدى إلى زيادة الإنتاج بنسبة (0,2%) سنويا، وأن زيادة حجم التشغيل بنسبة )1%) قد أدت إلى زيادة الإنتاج (0,7%)، في حين أن هناك زيادة في الإنتاج بنسبة (1,8%) سنويا قد نجمت عن التغير في العنصر البشري نتيجة الاستثمار برأس المال البشري، فضلا عن أن الدراسة أوضحت أن توسيع حجم الوحدات الإنتاجية يتطلب زيادة في حجم القوى العاملة المتعلمة والمدربة، ومن المعروف أن زيادة أحجام الوحدات الإنتاجية مع ما يرافقها من وفورات بسبب اقتصادات الحجم تعود بالفائدة على الإنتاج المتحقق، ومن ثم على النمو الاقتصادي مما يعني أن التعليم يسهم في التنمية الاقتصادية.
القدرات العلمية - الاطار النظري - النمو الاقتصادي
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة