القوة الناعمة وسيلة التأثير والنجاح
محمد كريم جبار الخاقاني | mohammed karim jabbar alkhakani
04/11/2021 القراءات: 2744
القوة الناعمة وسيلة التأثير والنجاح.
محمد كريم الخاقاني. اكاديمي وباحث في الشأن السياسي.
ترجع بدايات إستخدام مصطلح " القوة الناعمة" الى عام ١٩٩٠، عندما اطلقه استاذ العلوم السياسية" جوزيف ناي" في كتابه " ملزمون بالقيادة" وتم تطويره لاحقاً بكتابه "القوة الناعمة وسيلة النجاح في السياسة الدولية" عام ٢٠٠٤، وذلك لتوصيف قوة الدولة وقدرتها في الجذب، و تحريك الرأي العام داخلها وتغييره عبر قنوات إعلامية، والعمل على الضغط المتواصل من خلال المؤسسات السياسية وغيرها، وحسب مايراه ناي في القوة الناعمة، فإنها تعني قدرة أمة معينة على إحداث التأثير في غيرها من الأمم وتوجيه خياراتها العامة وذلك عبر نظامهم الإجتماعي والثقافي ومؤسساتها بدلاً عن اللجوء للقوة والإكراه، وتكمن القدرة على تحقيق فاعلية الجذب في تقليد الدولة عبر إستخدام طرقاً غير تقليدية كما كانت تستخدمه الإدارات الامريكية المتعاقبة، اي بمعنى الإبتعاد عن وسائل التهديد العسكري والإرغام وفرض العقوبات الإقتصادية وغيرها من الوسائل التي اعتادت الولايات المتحدة الأمريكية على تطبيقها في مناطق مختلفة من العالم، بل يمكن تحقيق ذلك الأمر وفقاً للجاذبية التي تحقق لها ما تريده من الدول الأخرى، اي جعل الآخرين يتمسكون بالقيم السياسية الأمريكية والمثل الثقافية، والسياسات التي تعمل على تطبيقها في العالم الواقعي، بحيث تكون إنموذجاً يُحتذى به، ومن هنا تحقق القوة الناعمة بوسائلها الجديدة ما تطمح اليه الولايات المتحدة الأمريكية عبر وسيلة الإقناع ورمزية قوتها الناعمة عوضاً عن الإرغام والتهديد العسكري، اي جعلهم يريدون ما تريد فعلاً.
ويمكن نشر القوة الناعمة بعدة وسائل كالثقافة الجماهيرية، والدبلوماسية بأنواعها المتعددة سواء كانت عامة ام خاصة، والمنظمات الأممية فضلاً عن المؤسسات التجارية وغيرها، ولذلك فإن القوة الناعمة تعد قياس لقدرة الدولة على ما تريد تحقيقه من مصالح وأهداف على المستوى الخارجي من دون اللجوء الى القوة العسكرية وإستخدامها الوسائل اللينة والجاذبة لتكون إنموذجاً بالنسبة لغيرها وتعمد الى تقليدها، وتقديم المساعدات لها،وبذلك فهي تنطلق من الرغبة في إحداث التغيير في عقل المستهدفين في الدول الأخرى، إذ لا يمكن لدولة ما من فعل ذلك مالم تستهدف التغيير في الشعب اولاً، فهي تعمل على دفع سياساتها ووسائلها وتركيزها بشكل مباشر في ذهنية وعقل الفئات المستهدفة شعبياً.
وترتكز مقومات القوة الناعمة على ثلاث وسائل رئيسة، اولها؛ ثقافة الدولة وإمكانية جعلها النموذج للإقتداء، ثانيهما؛ كل ما تحتويه من قيم ومثل سياسية تعمل على نشرها الى الخارج، اما المقوم الثالث فيرتكز على مبادئ واهداف سياستها الخارجية، فكلما كانت الدولة بوضع جيد يسمح لها بتطبيق سياساتها تجاه الآخرين، كلما زادت فاعلية تأثيراتها وقدراتها على توسيع نشاطاتها وإحداث التغيير المطلوب تجاه غيرها من الدول بفعل قوتها الناعمة ومقوماتها الثلاث،وهو ما يسمح لها بتحقيق أهدافها في محيطها الخارجي وذلك من خلال قبول الأخرين بدورها وتأثيرها الناعم فيها بعيداً عن الوسائل التقليدية المرتكزة على اساس عسكري وتطبيق عقوباتها الإقتصادية.
ولا تزال القوة الناعمة تحظى بأهمية إستثنائية على الصعيد الدولي، فهي تعد منفذاً لدخول الدول في جميع نواحي الحياة اليومية للشعوب عبر الوسائل التي تعتمدها من اجل تحقيق تلك الأهداف كالبرامج التعليمية المتبادلة والقيم السياسية التي تؤمن بها، وتعد القوة الناعمة كما يصفها ناي في الدول الديمقراطية مزيجاً من الإغراء والجاذبية، فهم لا يعتمدون فقط على القوة الصلبة لتحقيق اهداف دولهم، بل يعمدون الى تغيير خططهم ووسائلهم لتكون قابلة للتطبيق بشكل الجاذب ومن ثم تحقيق الأهداف العليا لدولهم، فهي بمثابة عنصر اساس وثابت في الدول الديمقراطية التي تستند على مقومات الشخصية الجذابة والثقافة والمؤسسات السياسية التي تعد بنظر الآخرين مشروعة وتتمتع بالسلطة المعنوية والأخلاقية، فالقوة الناعمة هنا اكثر من مجرد قدرة على الإقناع او جذب المواطنين لإلقاء الحجة عليهم، بقدر ما تكون وسيلة جذب متميزة قادرة على تحقيق أهداف الدولة تجاه غيرها.
*منشور في صحيفة الدستور.
القوة، الناعمة
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع