مدونة محمد بن مولود


مدارس العيس أو المحاظر : كنز موريتانيا الخالد 1

محمد بن مولود | mohamed ben moloud


06/02/2022 القراءات: 2887  



مدارس العيس أو المحاظر : كنز موريتانيا الخالد
قبل مئات السنين و إبان فترة القرون الوسطى , حيث كان الجهل يضرب بأطنابه في قارات العالم المختلفة , كانت البداية و ليست كأي بداية , إنها بداية مرحلة من العطاء الثقافي و الفكري لم يعرف العالم لها مثيلا , حيث نشأت و ترعرعت مدارس في أحضان الصحراء الموريتانية عرفت ب ( المحاظر ) , كانت تعلم الناس العلوم المختلفة و تقوم بأدوار ثقافية و اجتماعية و دينية , جعلت لهذا النوع من المدارس خصوصية تميزه حتى يومنا هذا , حيث مازال بعضها صامدا كدليل على عبقرية أبناء هذه الصحراء , تحدث عنها الأوروبيون قبل العرب و المسلمين , فكان كل منهم يقف مشدوها أمام هذه التجربة المتميزة و يدون إعجابه الشديد بها .
و يرجع معظم الباحثين بداية نشأة المحاظر إلى مدرسة المرابطين الأولى ( الرباط ) الذي أسسه عبد الله بن ياسين سنة 1039 م , على الشواطئ الموريتانية .
و حق لأحد أبرز خريجي هذه المدارس ( العلامة المختار ولد بونا ) أن يقول :
و نحن ركب من الأشراف منتظم ... أجل ذا العصر قدرا دون أدنانا
قـد اتخذنـا ظهور العيــس مدرسة ... بهـــا نبيـــن ديـــن اللـه تبيانــا
فما هي المحظرة ؟ و ما الذي تميزت به خلال العصور الماضية ؟ و هل يمكنها أن تحتضن تجربة جديدة تساهم في إنقاذ تعليمنا المنهار حاليا ؟
المحظرة هي مؤسسة من مؤسسات التربية العربية الإسلامية الأصيلة تحمل بعض خصائص و سمات النظام التربوي الذي نشأ و ازدهر في أحضان مدن الثغور و حواضر الخلافة و الثقافة و لكنها تتميز بسمات هي فيها أبين و أبرز , أو هي خالصة لها دون غيرها من المؤسسات التربوية العتيقة . ( النحوي , 1987 م) .
و يصفها الرحالة الفرنسي كامي دولس الذي زار المنطقة سنة 1887 م بقوله :
إن البيضان يتخذون من خيامهم أكاديميات حقيقية . و يؤكد أن المعرفة و الذكاء اللذين يميزان هؤلاء البدو يبلغان درجة من التطور تعد مفارقة لما يطبع المسلمين المقيمين بإفريقية الشمالية . ( الغامدي و لعجال ) .
و يجزم المستشرق الفرنسي رني باسي بأن لدى البيضان البدو في شنقيط ثقافة أدبية أرقى و أعلى مما لدى جل سكان ما يعرف بالجزائر , عاقدا مقارنة بينهم و بين المثقفين من تونس و الجزائر معطيا الأفضلية لمثقفي البادية الموريتانية عن نظرائهم . ( الغامدي و لعجال ) .
و كانت هذه الثقافة العربية الإسلامية صمام أمان لهذا المجتمع في وجه الغزو الثقافي و الفكري الذي بدأ يطل برأسه في مختلف البلدان آنذاك , وكان مثقفوا موريتانيا في تلك الفترة ( أبناء المحاظر ) سدا منيعا أمام المد الاستعماري الفرنسي الذي تردد قادته كثيرا في مسألة الإقدام على احتلال موريتانيا نظرا للمعوقات المختلفة ومن أهمها طبعا المقاومة الشديدة من طرف شيوخ المحاظر .
يقول أحد الفرنسيين :
لقد انتصب في مواجهتنا عدو قديم وقوي هو تعليم المحاظر الذي يتطلب قهره تبني سياسة مدرسية حكيمة و بذل مجهودات كبيرة ... و يضيف هذا الفرنسي : أن المحاظر قد تمكنت على العموم من الصمود في وجه الغزو الثقافي الأجنبي , و اضطلعت برسالتها المتمثلة في صيانة تراث ثقافي يمثل بالنسبة لها مدعاة فخر و اعتزاز . ( امين , 2015 ) .
و قبل ذلك كان شامبونو في القرن 17 م يصف مقاومة شيوخ المحاظر للوجود الأوروبي في المنطقة , و تأثيرهم على تجارة الرقيق التي ينقل من خلالها الأوروبيون أبناء المنطقة عبيدا إلى أوروبا و مستعمراتها الجديدة في آمريكا , يقول :
أما رجال الدين فيفخرون بتجنبهم لنا ( .... ) كما أنهم يزدروننا كثيرا بسبب الاختلاف بين ديننا و شعوذتهم , موهمين قومهم أننا نشتري العبيد لكي نأكلهم , ومنذ أن سيطروا على البلاد فإن عبدا واحدا لم يصل إلى سفننا .( أمين , 2015 ) .
كما يرى بعض الباحثين أن المواجهة التي اندلعت بين سلطات الإحتلال الفرنسي و شيوخ المحاظر , دفعت بالعديد من هؤلاء للهجرة إلى المشرق العربي , وهو الأمر الذي دفع المشارقة إلى اكتشاف ما تحتويه موريتانيا من ثراء علمي كبير , يفوق ما عليه الحياة العلمية في عواصم الثقافة في مصر و الشام و الحجاز . ( الغامدي و لعجال ) .


المحظرة - التعليم التقليدي - تعليم الشناقطة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع