مدونة د. محمد عبد الجواد محمد البطة


روايات جدي في وجداني كنقش على حجر

د. محمد عبد الجواد محمد البطة | Mohammed Abd aljwwad Albatta


09/11/2020 القراءات: 2801  



روايات جدي في وجداني كنقش على حجر، د. محمد عبد الجواد البطة كنت على مشارف عامي الرابع عشر عام ١٩٩١، ونعيش أحداث الانتفاضة وازمة الخليج وحلم مدريد الكاذب، حينما رحل جدي ، وهو الذي عاصر أحداث القرن العشرين من البدايات، لأنه استهل يوم ميلاده ميلاد  القرن العشرين ولدا سويا وتفارقا وفي ذاكرته مكتبة تاريخية واجتماعية  وتربوية سجلها بوجدانه وروحه، شهدته يروي منها السائلين، وهو متوكز عصاه ممسكا مسبحته بحباتها الكبيرة ذوات اللون الأبيض، مرتديا لابسه العربي وكوفيته البيضاء منسدلة على وجنتيه ويزنه العقال الاسود متنقلا في جلسته باحثا عن الشمس وظلها حسب ساعات اليوم بين أشجار اللوز وشجرة الخروبة، والسدرة التي تتوسط الحكورة العامرة بأهلها وزوارها واشجارها وثمرها وطيورها، شهدته في مساء تلك الليالي الخالية، كان يحدث أبناء عموته الكبار اللذين جاوز العقد السادس من العمر، عن دولة الترك كما كان يسميها  والانجليز، واليهود الطامعين بأرض ليست لهم ، وعن الجيوش العربية، وعن الزعيم عبد الناصر والإدارة المصرية للقطاع وعن ثوارت ومذابح  وأحداث وشخصيات واعلام، وثورة ١٩٣٦، إضراب الستة أشهر كما كان يسمه وموقف الفلسطينيين من لجنة بل الملكية، وتطورات تاريخية نعيش نتاجها الان، سكن بالقرب من يافا وتزوج وانجب ثلاثة من الإناث، قبل اللجوء والنكبة، كان أبي حينها يتوسد رحم جدتي المغفور لها ليولد في رفح و يسمع صراخه المعذبين من اللجوء في بكورة العام ١٩٤٩، الحالمين بالعودة لقراهم العامرة، تاركين الخيام، غير مدركين انهم اصبحوا قضية العصر ومعضلته، والخيمة  ستصبح مخيمات  وهم لاجئون،  ليصبحوا بعد ذلك مصطلح كبير في علم السياسة يردده قادة العالم وإعلامه ويعجزوا عن حله فبكاء ابي كان البداية ولم يكن الأخير تبعه ستة من الأخوة والأخوات خلال عشرين عاما من اللجوء في مخيمات  رفح الصمود تحدث جدي عن الكثير والكثير وكنت مستمعا جيدا لحديثه بأشواق طفل يستمع إلى قصص كأنها أسطورة، لم يعي كل ما يسمع حينها، كبرت واستدعتها ذاكرتي كلما قلبت  كتابا عن فلسطين، وكأنها نقش على حجر، رحل جدي في عقده التاسع من العمر  وهو يحدثنا عن رفح اللجوء والمعاناة، وعن يافا والمجدل وواد حنين، والحنين إليه لأنها فلسطين التي ولد فيها وسكنت روحه، وانصهر في ترابها ينتظر بعثه الأخير، أدركت أن جدي اول من علمني التاريخ، التاريخ الذي عاشه وادركه  ونطق به، وزرع في نفسي حب الوطن والتاريخ ، محطما عبارة يموت الكبار وينسى الصغار،،، رحم الله أجدادي واجدادكم، وغفر لهم وأسكنهم فسيح جناته، جدي محمد عبد القادر محمد البطة


روايات جدي، كنقش على حجر، حب التاريخ والوطن


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع