مقال عن: ( الاسترزاق والنفاق!!)
زين محمد العيدروس | zainalaidaros
17/11/2021 القراءات: 1111
[ الاسترزاق والنِّفاق !!]
صدقَ واللهِ وبرَّ مَنْ قال : الاستقامة أعظم كرامة . بالاستقامة أُمِر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال الله تعالى : (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)، فكيف بآحاد المسلمين كأمثالِنا! ممّن جاء بعد هذا الخطاب ؟ فالأمر جِدٌ، والواقع نِدٌ !!
وأخطر ما يكون التّصنّع والتخشّع بين صفوف المُنتمين للدعوة المُشرّفة، وإن أخوف ما خشي منه رسولنا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : الرياء والسمعة، ونيل الزعامة والشهرة. وهو داءٌ نفسيٌ باطنيٌ، له آثاره ومظاهره، ونزواته ونزغاته، فعن عُبادة بن نسيّ رضي الله عنه قال : دخلتُ على شدّاد بن أَوس رضي الله عنه في مُصلّاه، وهو يبكي، فقلتُ: (يا أبا عبد الرحمن ما الذي أبكاك ؟) قال : (حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فقلتُ وما هو ؟ قال: بينما أنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذْ رأيتُ بوجهه أمراً ساءني فقلتُ: (بأبي وأمي يا رسول الله ما الذي أرى بوجهك ؟ قال: أمرٌ أتخوفه على أمتي من بعدي، قلتُ : وما هو ؟ قال: "الشرك وشهوة خفية" قال: قلتُ: يا رسول الله أتشرك أمتك من بعدك ؟ قال: يا شداد أما إنهم لا يعبدون شمساً ولا قمراً ولا وثناً ولا حجراً، ولكن يراءون الناس بأعمالهم، قلتُ: يا رسول الله الرياء شرك هو ؟ قال: "نعم" قلتُ: فما الشهوة الخفية ؟ قال: يصبح أحدكم صائماً فتعرض له شهوة من شهوات الدنيا فيفطر)[ أخرجه أحمد برقم (16498)، والحاكم في المستدرك برقم(7940) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. والحديث حسن بشواهده، وقد توسّعت في الكلام عنه بهامش الفرائد لما في خطبة الوداع من الفوائد ص33]
وداءٌ آخر هو: ابتغاءُ عرَض الدنيا، والرِضى بها دُون الأُخرى، وهو أصلُ الشقاء، ومنبعُ العنَاء ، قال عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: (حُبُّ الدُّنْيَا أَصْلُ كُلِّ خَطِيئَةٍ ) [ أخرجه البيهقي في شعب الإيمان 13/74، والمرفوع ضعيف، وروي عن الحسن البصري مُرسلاً بإسناد حسن. المقاصد الحسنة للسخاوي 296 ، وفيض القدير3/369]،ونعوذ بالله من الدُّموعِ المُتكلَّفة، والحرَكات المُفتعلَة !!
فازداد في الآونة الأخيرة ظاهرة الاسترزاق مع التلبّس بمظاهر الزُهد البَرّاق، فهذا يُسافر ـ بحسب الظاهر، والنوايا لربِّ البرايا ـ لأجل الدعوة لله الغفّار، وهو يَدرُّ المكاسب، ويضحك على أهل المناصب، ويستغل صفاء العجم والعرب، وسعيه وراء الورِق والذهب !! ـ إلا من رحِم ربّي ـ
وذاك يفتح له عنواناً برّاقاً ؛ لنفع الناس ، وأَلْبَسَ عليه اللِّباس، وظاهره الرحمة ، وباطنه الهلَكة ، فزادت المُؤسسات الخيريّة، والصناديق الخدميّة ، وحقيقتها ـ إلا من رحِم ربّي ـ مشاريع شخصيّة، تغدِقُ على أصحابها، وتدُور في فلكهم !!
ونفاق العلم أعظم خطراً، وأقبح فعلاً، بأن يتكلّم بالحقِّ ويعمل بالمُنكر، وقد حذّر منه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكم من يظهر التنمّق في الكلام، وله في العلم نصيب ،ولكنه من العمل بعيد، فعن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: ( إِنَّ أَخْوَفَ ما أَخَافُ على أمتي كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمُ اللِّسَانِ)[ أخرجه أحمد في مسنده 1/22، وأخرجه بإسناده الحافظ الذهبي ثم قال :هذا حديث مقارب الإسناد لم يخرجوه في الكتب الستة، وميمون: فيه لين، وقد قال يحيى بن معين: لابأس به، وديلم صدوق، تابعه على الحديث الحسن بن أبي جعفر. سير أعلام النبلاء ١١/ ٤٤٦، وقال الهيثمي:رواه البزار وأحمد وأبو يعلى ورجاله موثقون. مجمع الزوائد1/ 187]
وظاهرة: (حُبّ الظهور)، وهي قاصمة للظهور! ولكن غرّهم في ذلك الغرور، ونسوا يوم النشور، فتراهم يُحبون الصُوْر، ويكبّرون العمائم في المظهر، والحقيقة في المَخْبر ـ إلا من رحِم ربّي ـ وصدق المُخلِصُ لهم المُنوَّر: عِمامةٌ وصُوْرة، ولا شيء تحت المقْصُورة !!
فسيدنا رسول الله بريءٌ من التكلّف، وأُمّته تابعة له، فعن عبد اللَّهِ بن مَسْعُودٍ رضي الله عنه قال: ( يا أَيُّهَا الناس من عَلِمَ شيئا فَلْيَقُلْ بِهِ، وَمَنْ لم يَعْلَمْ فَلْيَقُلْ: الله أَعْلَمُ؛ فإنّ من الْعِلْمِ أَنْ يَقُولَ لِمَا لَا يَعْلَمُ: الله أَعْلَمُ، قال الله عزّ وجل لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم: { قُلْ ما أَسْأَلُكُمْ عليه من أَجْرٍ وما أنا من الْمُتَكَلِّفِينَ } [ أخرجه البخاري في صحيحه برقم 4531]، وجاء العتاب من الله تعالى في الكتاب لمن هذا حاله، وفي الآخرة خرَابه : (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا)، فالتكلّف نهايته التَلَف، نعوذ بالله تعالى من سوء المنقلب ! وكتبه زين محمد العيدروس لطف الله به.
ملحوظة: نشر المقال في صفحته بالفيس بوك.
الصدق، النفاق، الرياء، الإخلاص