مدونة مسعد عامر سيدون المهري


وصف الضاد المهرية صفتها ومخرجها..

مسعد عامر سيدون المهري | Musaad Amer Saidoon Almahry


30/04/2020 القراءات: 3206  


كثيرة هي اللغات التي تتكلم بها الأقليات وتضرب بجذورها في أعماق الماضي، وقليل هي اللغات التي ما زالت تحتفظ بسماتها الوظيفية. ولعل اللغة المهرية التي يتكلم بها سكان محافظة المهرة اليمنية، ومحافظة ظفار العمانية من بين هذا اللغات المحتفظة بسماتها اللغوية الصوتية والبنيوية والدلالية. وتنتمي اللغة المهرية الى أسرة اللغات العربية الجنوبية الحديثة، والتي تضم إلى جانبها الشحرية والسقطرية، وتختلف عن اللغة العربية بكثير من الخصائص الصوتية والدلالية، الأمر الذي يوحي للسامع من غير هذه اللغات عند استماعه الى حديث التخاطب بين أفراد هذه اللغات بأنه يستمع إلى لغة أجنبية ذات رضانة غريبة. والحق أن هذه اللغات تحمل عبر أجيال التاريخ سمات اللغات العربية الجنوبية، واحتفظت بها، وأدتها حكاية وتطبيقا، وأن كان هذا لا يمنع من دخول بعض العوامل عليها، والتي أثرت في جوانب منها، غير أن هذا لم يحل دون احتفاظها باستقلاليتها في مختلف مستويتها الصوتية والصرفية والتركيبية والدلالية. فصوتيا نجد أن اللغة المهرية تستخدم معظم الأصوات العربية، وإن كانت تتميز عن العربية ببعض الأصوات التي عرفت عن بعض الباحثين بالأصوات الخمسة الزائده وهي ( ض ، ق ، ص ، ج ، ش) وليعذرني القارئ الكريم أن كُتِبت بالرسم العربي، لأنها صوتيا تختلف كليا عن الأصوات العربية المرسومه بهذا الشكل. وسنسلط الضوء في هذه الأسطر على حرف الضاد ، لما يتميز به من بون واسع بينه بين الضاد العربية ، فعند النظر في صوت حرف الضاد العربية، نجد اختلافا في وصفها بين علماء الأصوات المحدثين والقدامى فاذا كانت الضاد عن المحدثين "صوت شديد مجهور يتحرك معه الوتران الصوتيان، ثم ينحبس الهواء عند التقاء طرف اللسان بأصول الثنايا العليا فإذا انفصل اللسان عن أصول الثنايا سمعنا صوتا انفجاريا هو الضاد" (أنيس، صفحة 51) ومن ثم فإنها أسنانية لثوية تقع في حيز التاء والدال والضاد والطاء واللام والنون (بشر، 2000م، صفحة 183) فإن وصفها عند القدماء يختلف عن ذلك بما يقاربه من الضاد المنطوقة في اللغة المهرية ، فالخليل بن أحمد يضعها في حيز الحروف الشجرية، وذلك عند قوله:" والجيم والشِّين والضاد شّجْريّة لأن مَبْدَأها من شجْر الفم" (الفراهيدي، 170هـ، صفحة 58/1) لذلك يقول سيبويه: " ومن بين أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس مُخرجُ الضاد" (سيبويه، 180هـ، صفحة 433/4) وذلك لأنها " تُتكلف من الجانب الأيمن، وإن شئت تكلّفتها من من الجانب الأيسر وهو أخفُّ، لأنها من حافة اللسان مطبقة، لأنك جمعت في الضاد تكلُّف الإطباق مع إزالته عن موضوعه، وإنما جاز ذلك لأنك تحولها من اليسار إلى الموضع الذي في اليمين، وهي أخفُّ لأنها من حافة اللسان، وأّنَّها تخالط مخرج غيرها بعد خروجها، فتستطيل حين تخالط حروف اللسان، فسهُل تحويلها إلى الأيسر، لأنها تصير في حافة اللسان في الأيسر حتى تتصل بحروف اللسان، كما كانت كذلك في الأيمن" (سيبويه، 180هـ، صفحة 433/4). ونلاحظ أن وصف الضاد بهذا الوصف الذي قدمه سيبويه يختلف عن وصف المحدثين، الأمر الذي دعا الدكتور عامر فائل إلى اسنتتاج أن الضاد بحسب وصف المصادر القديمة " مازال هذا النطق من ذلك المخرج موجودا في المهرية، ومعها الجبالية الظفارية والسقطرية.. حيث إن أهل هذه البقاع الثلاث تخرج الضاد جانبية انحرافية ملتصقة بالأضراس العليا وفيها شيء من التفشي" (بلحاف، 2016، صفحة 27) فالضاد كما وصفها القدماء تتكون بمرور الهواء بالحنجرة، فيُحرّك الوترين الصوتيين ثم يتخذ مجراه في الفم جانبي عن يسار الفم عند أكثر الرواة أو عن يمينه عند بعضهم أو من كلا الجانبين كما يستفاد  من كلام سيبويه (أنيس، صفحة 52) ولذلك يقول الدكتور كمال بشر عند ذكر رأي ابن جنى الذي تابع فيه سيبويه:"فكأن الضاد عنده قريبة من وسط الحنك، أو هي أقرب أن تكون لثوية حنكية، ولكن مع السماح بمرور الهواء من أحد جانبي الفم أو منهما معا (بشر، 2000م، صفحة 186) ومن الكلمات المهرية التي ينطق فيها الضاد بهذه السمة الصوتية: ضُوطْ ، ضَدّ ، حَضْفْ. نخلص مما سبق إلى القول إن الضاد المهرية صوت احتكاكي جانبي، يقارب ما ورد من توصيف اللغويين القدماء، وهذا يعني أن المهرية احتفظت بالسمة الصوتية للضاد التي تعرضت للتطور عبر الزمن. 


حرف الضاد، اللغة، المهرية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع