مدونة أ.د/ منى محمود عبد الجليل/ أستاذ الإعلام والعلاقات العامة بجامعه الازهر- مصر


الإعلان الرقمي وقيم الأسرة

أ.د/ منى محمود عبد الجليل / كلية الإعلام | Mona Mahmoud Abdalglil


19/08/2024 القراءات: 305  


تمثل القيم عنصرًا رئيسيًا في تشكيل العلاقات بين البشر، حيث إن القيم تُنتج السلوك، والسلوك بدوره يُسهم في تكوين شبكة العلاقات البشرية أو ما يُعرف بالتفاعل الاجتماعي، وتُعتبر القيم انعكاسًا للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في المجتمع، وهي تشكل جانبًا مهمًا في تشكيل الوعي الاجتماعي لدى الأفراد، من خلال العمليات الثقافية المتمثلة في العادات والتقاليد، والتنشئة الاجتماعية والسياسية.    
 وتُعتبر "القيم" من الموضوعات التي جذبت اهتمام الباحثين من مختلف التخصصات، نظرًا لأهميتها الكبيرة في المجتمعات، حيث تُعزز العلاقات بين الأفراد وتُشجع على المحبة والثقة بينهم بعيدًا عن الخلافات والمشكلات، كما تُعتبر القيم عنصرًا أساسيًا في دفع المجتمعات نحو التقدم والرقي، إذ لا تتخلف حضارة عن ركب التطور إلا عندما تتخلى عن قيمها وهويتها.          وفي ظل التطورات السريعة في مجال التكنولوجيا الرقمية، وخاصة الإنترنت، وظهور شبكات التواصل الاجتماعي التي تنوعت استخداماتها في مختلف المجالات، شهدت المجتمعات العربية تطورًا ملحوظًا في جميع جوانب الحياة، وقد أثر هذا التطور بشكل كبير على مجال الإعلان، الذي يُعتبر أحد الأنشطة الأساسية في التسويق، حيث يُستخدم كوسيلة لتحويل الأفكار إلى رسائل تُوجه للجماهير بهدف تحفيزهم وإقناعهم بمنتج معين، أو فكرة معينة، أو تغيير آرائهم واتجاهاتهم تجاه موضوع أو قضية ما.    
  وعلى الرغم من الأدوار الإيجابية التي يلعبها الإعلان الرقمي في حياة المستخدمين الاجتماعية، وما يقدمه من تلبية لاحتياجاتهم النفسية في مجالات متعددة، خاصة في التعبير عن آرائهم وتطلعاتهم ورغباتهم، إلا أن هذه الوسائط أثرت أيضًا على القيم العامة وأدت إلى ظهور مشكلات نفسية واجتماعية وثقافية لدى الفرد والأسرة.      
 وقد اتفق الباحثون في مجال الإعلام على الدور الذي يؤديه الإعلان في التأثير على المتلقي، بالإضافة إلى الطبيعة المزدوجة لوسائل الإعلام التي تساعد على نشر وترويج الأفكار والقيم المتناقضة في الوقت نفسه، فقد تسهم هذه الوسائل في تغيير القيم والعادات والمفاهيم التقليدية، مما يؤدي إلى خلق أشكال جديدة من الوعي، أو قد تعمل على تثبيت القيم والرؤى التقليدية، مما يُسهم في تزييف وعي الأفراد بأدوارهم الحقيقية، ويرى البعض أن الإعلان -وخاصة الرقمي- يؤدي دورًا في تشكيل الوعي الثقافي والقيمي لدى الفرد والأسرة باعتبارها حجرا أساسيا في بناء المجتمع ككل، ذلك بفضل الإمكانات المتاحة للإعلان في العصر الرقمي لتوصيل رسالته إلى جمهور متنوع من مختلف الفئات الاجتماعية، على سبيل المثال نجد أن الإعلانات التي امتلأت بها مواقع الانترنت وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي جعلت نسبة كبيرة من الأفراد في العالم العربي خاصة الشباب والمراهقين من الجنسين؛ جعلتهم يعيشون في عالم خيالي مشوه بعيدا عن الواقع، لا يدركون ماذا يفعلون فيه، يفكرون دوما في محاولة الوصول إلى هذا العالم المثالي الذي صورته وزرعته الإعلانات في مخيلتهم، مما قد يؤدي بهم إلى الإحباط والقنوط واليأس من واقعهم المعاش، وخصوصا في حالة عدم القدرة على امتلاك ما تروجه هذه الإعلانات من سلع وخدمات متنوعة.       
 ‏*وتأسيسا على ما سبق يمكننا القول إن الإعلان الرقمي يعتبر من أقوى الأدوات التي لا تتوقف عند حدود البيع أو الترويج لمنتج معين، فهو بالإضافة إلى ذلك يبيع تصورات ومفاهيم وقيم تؤثر على اتجاهات الفرد والتي بدورها تؤثر على قيمه وسلوكه.


‏الإعلان، الرقمي، القيم، الأسرة.


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع