الاماني شيء والواقع شيء اخر
مفيد ذنون الملا ذنون | Mufeed Dhanoon Almula-Dhanoon
31/12/2024 القراءات: 22
يتأمل البعض إزاحة الدولار الأمريكي من ريادة التبادلات التجارية الدولية. معولين على اتفاقيات "البركس" وغيرها من الدعوات لإحلال عملة او سلة عملات كوسيط للتبادل الدولي بدلا عن الدولار. ممكن ان تتفق دول محددة على استخدام عملاتها المحلية للتبادل بينها ولكن ذلك رهين بثبات قيمة عملات التبادل وعدم اهتزازها وهنا سنعود لنقطة البداية لتقييم العملات بالدولار.
حتى نفهم لابد من توضيح خلفية اختيار الدولار كعملة دولية. تاريخيا تطور التبادل المحلي والدولي ليأخذ أشكال مثل المقايضة أي تبادل سلعة بسلعة، ثم تطور الامر لاختيار سلع معينة تكون وسيط في التبادل كالحبوب وغيرها. ثم تطور وسيط التبادل ليصبح المعادن ومنها الذهب والفضة والنحاس كون هذه الموارد نادرة ولها قيمة تبادلية بحد ذاتها. ولكن مع اتساع التبادل الدولي أصبح من غير الممكن استخدام الذهب للتبادل لان كمياته قليلة ولا تفي بحجم التبادل الدولي. وقد تم الاتفاق دوليا في العام 1944 على اعتماد الدولار الأمريكي في التبادل الدولي مقابل تعهد امريكي باستبدال الدولار الورقي بما يساويه من ذهب بسعر ثابت يبلغ 35 دولار للأونصة، ضمن اتفاقية أطلق عليها "اتفاقية برتن وودز". في العام 1971 تنصلت الولايات المتحدة عن وعدها باستبدال الدولار بما يساويه من ذهب ولكن بقيت التبادلات الدولية تجري بالدولار والى يومنا هذا. طبعا كميات الدولار المطبوعة هي أكثر مما تحتاجه الولايات المتحدة من عملة لتغطية التبادل الداخلي لديها. وتصدر كميات كبيرة من الدولار لتغطية الطلب العالمي على الدولار سواء للتبادل او كاحتياطيات للبنوك المركزية.
لذا تبدو فكرة إحلال عملة أخرى للتبادل الدولي بدل الدولار غير واقعية في الأمد المنظور وهي لا تعدو ان تكون امنيات لعدة أسباب:
1. حجم الكتلة النقدية من الدولار لا تدانيه أي عملة أخرى في العالم، وهو العملة الوحيدة في العالم التي ممكن ان تغطي التبادلات الدولية، وادارة حركة راس المال الدولية. وان أي دولة أخرى لا تغامر بجعل عملتها عالمية لان اهتزاز عملتها دوليا لاي سبب سينعكس بآثار كارثية على اقتصادها الا إذا كان لديها قوة ساندة لعملتها.
2. الدولار الأمريكي تسنده قوة الاقتصاد الأمريكي الذي ينتج أكثر من ربع الإنتاج العالمي، وأقرب اقتصاد له هو الصين الذي ينتج 15% من الانتاج العالمي.
3. القوة السياسية والعسكرية والتقنية الامريكية التي تؤمن هيمنة الدولار كعملة عالمية.
4. الأرصدة الاحتياطية لكل بلدان العالم يشكل فيها الدولار نسبة عالية، وان اهتزاز قيمة الدولار سيمني كل دول العالم بخسائر فادحة.
5. تخيل ان يتفق العالم على إحلال عملة غير الدولار كوسيط في التبادل الدولي عندئذ فان كل الدولارات الموجودة في التداول الدولي اليوم ستعود الى الولايات المتحدة بسعر بخس، وسيتم استخدامها في التعاملات الداخلية الامريكية مما سيخلق معدلات تضخم في الاقتصاد الامريكي لم يسبق لها مثيل في العالم ومن المؤكد سوف لن تسمح الولايات المتحدة بسيناريو كهذا.
الى جانب ذلك هناك مسائل فنية أخرى (تحتاج الى معرفة أكبر في الاقتصاد) تتضمن اليات انتقال رؤوس الأموال دوليا بين دول الفائض ودول العجز التجاري مع الولايات المتحدة.
الدولار، التجارة العالمية
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع