مدونة الدكتور أحمد بن سعيد بن خليفة البوسعيدي
ملابس تخدش الحياء كيف نتصدى لها ونعالجها
الدكتور أحمد بن سعيد بن خليفة البوسعيدي | DR. AHMED Said Khalifa AL-busaidi
08/02/2023 القراءات: 1786
تعد صيانة الإنسان عن جميع ما يسبب له الأذى المادي والمعنوي من الأولويات التي يعتني بها التشريع الإسلامي، وكذا بالنسبة للمجتمع فإنه يسعى إلى طهارته المادية والمعنوية، ومن هذا الجانب عنايته بأمر اللباس؛ حيث وضع له الضوابط والمعايير التي تكفل للفرد والمجتمع الحرية مع تحقيق النقاء والطهارة والالتزام.
ومن هذا المنطلق فإن ظاهرة ارتداء الملابس غير اللائقة وغير المحتشمة أو الخادشة للحياء في الأماكن العامة، سببه عدم التقيد والانضباط بالأحكام التي شرعها الله في جانب اللباس، ولقد فصل علماء الإسلام في بيان مختلف الأحكام المتعلقة باللباس وشرحها وبيانها، مع بيان الأدلة الشرعية على جميع ذلك، فالأمر ليس متروكا لإنسان يحلل ويحرم حسبما يحلو له، وإنما هو توجيهات ربانية مستمدة من القرآن والسنة، لذا فإن التزام الحشمة واللباس الساتر سبب لحماية الإنسان من الأذى بمختلف أشكاله وأنواعه، يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) (الأحزاب:59).
ولقد جاءت العناية الإلهية بجانب اللباس منذ بداية خلق الإنسان، فالله يقول في توجيهه لأبي البشرية آدم -عليه السلام-: (يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا) (الأعراف:26-27)، لذا فإن نزع اللباس أو إبداء العورات وكشفها للآخرين هي من الأسباب التي توجب سخط الله على الإنسان وإخراجه من الجنة، فمن أراد رضا الله والفوز بالجنة فعليه أن يلتزم جميع التشريعات الإلهية ومنها في جانب اللباس.
إن المتمعن في التشريعات والقوانين الإلهية ليجد فيها الكفاية والخير لأنها صادرة من خالق الإنسان العالم بنفعه وضره، ومنها على سبيل المثال، أن يحفظ الإنسان نفسه بعدم النظر إلى عورات الآخرين غير المشروعة، ليصون نفسه من الوقوع في الفواحش، بمثابة إجراء وقائي، كما وجه إلى عدم إبداء المسلم زينته ولا شيئا من عوراته إلا لمن شرع له الاطلاع عليها، يقول الله تعالى: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور:31)، وختام هذه التوجيهات توصينا بالتوبة إلى الله والإنابة إليه بترك إبداء الألبسة غير المحتشمة إن أراد لنفسه الفلاح والنجاح والسعادة.
كما أن التصدي لهذه الظاهرة وغيرها من الظواهر المجتمعية وعلاجها علاجا جذريا يكمن في غرس تقوى الله والخوف من أليم عقابه ومجانبة سخطه، وهذه التقوى تدفع هذا الإنسان إلى امتثال أمر الله والانتهاء عن زجره، ويترجم ذلك الامتثال بالعودة إلى هذه التشريعات الربانية في مختلف نواحي الحياة، والتي تكفل للإنسان والمجتمع السعادة والهناء، ليس في الدنيا فقط حتى في الآخرة، لذا ورد الربط في القرآن الكريم بين تقوى الله والتخفف من الملابس بالنسبة للمرأة مع محارمها، فلا يصح لها مع غيرهم، يقول الله تعالى: (لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آَبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا) (الأحزاب:55)، إضافة إلى أن من الأمور المعينة التي تعين على معالجة هذه الظاهرة المستفحلة، التعاون بين أفراد الأسرة فيما بينهم على المحافظة على هذه التشريعات، وكذا التزام المؤسسات المختلفة بهذه الأنظمة التشريعية، إضافة إلى إنشاء أقسام خاصة للشرطة الأخلاقية، وغيرها من السبل المعينة على ذلك.
ونخرج من هذا الحديث إلى أن العودة إلى تشريعات الإسلام تكفل للبشرية جمعاء الصيانة والسعادة في الدنيا والآخرة، يقول الله تعالى: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) (النساء:27)، فالأحكام الشرعية لا تضيق على الناس ولكنها تأخذ بأيديهم للصعود إلى أعلى دراجات الرقي الأخلاقي وتسمو بهم منازل العلو والرفعة.
الملابس غير المحتشمة، الملابس غير اللائقة، الستر،
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع