مدونة نافذ سليمان عبد الرحمن الجعب
مناهجنا التربوية في خطر
نافذ سليمان عبد الرحمن الجعب | nafez soliman ljoub
22/10/2019 القراءات: 3986
مناهجنا في خطر
د. نافذ سليمان
إن المتأمل لحال الأمة الإسلامية اليوم يدرك الهوة السحيقة التي وصلت إليها ،حيث فقدت مكانها القيادي ،وأصبحت تابعة لأمم الكفر خاضعة لإملاءاتها ، وإذا بحثنا عن السبب الرئيس الذي مكن الأعداء من بسط سيطرتهم على الأمة ومقدراتها ، سنجد أن أهل الإصلاح قد شخصوا أسباباً عديدة لذلك لكنهم لم يركزوا الجهد على المقتل الأساس ، ألا وهو التعليم ، الذي يسميه المفكر الإسلامي "أنور الجندي" – رحمه الله- بالخنجر المسموم الذي طعن به المسلمون ويقول عنه " ذلك الخنجر في تقديري وفيما وصل إليه اعتقادي واعتقاد الكثيرين من العاملين في دراسات التغريب والغزو الثقافي هو "التعليم"وما يتصل به من شأن التربية والثقافة ، هذا الخنجر المغروس في الجسد الإسلامي ما زال ينزف دما"
إن هذا الخنجر قد استهدف عقيدة الأمة ببعثات التبشير والأفكار الهدامة ، وأخلاقها بنشر الانحلال والشهوات عبر وسائل الإعلام ومعاهد العلم ، وسيادتها بتقديم النظم الديمقراطية الغربية التي تمهد للاحتلال الأجنبي ، وتقصي شريعة الإسلام عن الحياة والحكم، كل هذا التخريب كان التعليم هو المدخل الرئيس له .
إن لكل أمة ومجتمع نمط تربوي خاص بها ، لأن التربية هي المحضن الذي يحمي الثقافة ويورثها للأجيال ، ولا يمكن لأمة أن تعيش بثقافة أمة أخرى ، ولذا فإن استيراد نظريات التربية الغربية ومعاييرها لا يناسب حال الإنسان المسلم ولا تطلعاته خاصة مع وضوح المفاصلة التي جاء بها الإسلام ودعوته لتميز الأمة الإسلامية عن غيرها بل مطالبتها أن تكون شاهدة على غيرها من الأمم لقوله تعالى " وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا.."(البقرة :143).
ولو تفحصنا نظرة التربويين إلى عملية التربية ، لوجدنا أن الأمم الغربية لديها حساسية من استعارة مناهج تربوية خارجة عن مجتمعها وظروفها وأهدافها العليا ، حتى وإن اتفق الطرفان في جزء كبير من العقيدة واللغة والتاريخ. يقول كونانت أستاذ التربية الأمريكي الشهير في كتابه: (التربية والحرية): «إن عملية التربية ليست عملية تعاط وبيع وشراء، وليست بضاعة تصدر إلى الخارج أو تستورد إلى الداخل، إننا في فترات من التاريخ خسرنا أكثر مما ربحنا باستيراد نظرية التعليم الإنكليزية والأوروبية إلى بلادنا الأمريكية».
ولذا لا يجوز أن نغفل أن مسألة المناهج التربوية التي يراد تغييرها أو تطويرها -كما يسميها البعض- هي إحدى مفردات السيادة التي لا يصح التفريط بها ، وهذا ما يؤكده ما ورد في التقرير الأميركي الشهير [أمة في خطر] الذي صدر في بداية الثمانينيات في عهد الرئيس الأميركي الأسبق [رونالد ريجان] هذا التقرير الذي حلل واقع التعليم في أمريكا ،وورد فيه ما يفيد المعنى التالي [إن التدخل في صناعة مناهج دولة ما أمر يعادل إعلان الحرب عليها]، وسر ذلك أن السيطرة الثقافية مقدمة للسيطرة العسكرية والاقتصادية وإذابة للأمة المهزومة وطي لصفحتها من التاريخ وإيذاناً بزوالها عن الخارطة.
ويعتبر المنهاج الفلسطيني الحالي ثمرة من ثمرات اتفاقيات أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل المحتلة لأرضنا، لذا فهذا المنهاج لا يمتلك الحرية في التعبير عن حقيقة التربية الفلسطينية في ماضيها أو حاضرها ومستقبلها، ويراد من ورائه ترويض الجيل الفلسطيني ليتساوق مع دعوات السلام المكذوب والتطبيع مع الكيان الصهيوني، لذا لا تكاد تجد ذكراً لما فعله اليهود بنا من مجازر أو تشريد ، بل تجد أحياناً وبصورة غير مباشرة ما يدعو إلى التقارب بين الديانات الثلاث على أرض فلسطين، والعيش بسلام والتسامح، وغير ذلك من صور التطبيع الخفية.
وإذا كان المنهاج الفلسطيني بشكله الحالي لم يدع للتطبيع الثقافي صراحة مع العدو الصهيوني ،لكننا نجد هذه الأيام تطبيعاً صريحاً تقوده وكالة الغوث الدولية من خلال إضافة مادة حقوق الإنسان ابتداءً كمواضيع مستخلصة من المقررات الدراسية الفلسطينية كاللغة العربية والتربية الإسلامية والوطنية وغيرها،وانتهاءً بجعل حقوق الإنسان مادة مستقلة لها مقررها الدراسي ومدرسوها ودرجاتها محسوبة في الامتحانات ، بل وهناك امتيازات خاصة بالمتفوقين في هذه المادة ، كإرسالهم في رحلات لأمريكا أو دول غربية، وتقديم الجوائز والهدايا لهم، وبالمقابل نجد تخفيضا في حصص المواد الاجتماعية وخاصة مادة الوطنية والمدنية ، وإذا ضممنا إلى ذلك ما يمكن تسميته بتأنيث المدارس الابتدائية خاصة ، بتوظيف المعلمات في مدارس الذكور رغم المبررات التي تقدمها الوكالة لتفسير ذلك، إلا أنه لا يجب المرور على ذلك مر الكرام ومحاولة تسطيح هذه القضية والتعامل معها كمسألة ثانوية محصورة، ولنا أن نتساءل هل تقوم الوكالة بمثل هذه الخطوات في المدارس التي تشرف عليها في الضفة أو مناطق عملياتها الخمس الأخرى؟؟ أم أن الأمر قاصر على قطاع غزة؟ هل لأن غزة لا تزال عصية على التطبيع والخضوع للكيان الصهيوني والهيمنة الأمريكية؟ ومن ثم يراد إعادة تشكيل عقول الناشئة وترويضها عبر غزو المناهج الفلسطينية المروضة أصلاً ليتمكن العدو الصهيوني بعد ذلك من حسم المستقبل الفلسطيني وتذويبه في متاهات السلام المظلمة!!
المناهج- التطبيع-الاحتلال-اتفاقيات أوسلو
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
شكرا جزيلا لكم.