مدونة عبد المجيد رمضان


ما وراء زيارة ماكرون للجزائر : الديبلوماسية الثقافية .. رهان حيوي وسعي لتحقيق الهيمنة الفكرية

عبد المجيد رمضان | Abdelmadjid RAMDANE


29/08/2022 القراءات: 1586  


شكل اختيار قصر الإليزيه لـ "استوديو مغرب" في برنامج الزيارة الأخيرة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مفاجأة غير متوقعة لدى الكثير من المتابعين في الجزائر، ما أثار استغرابهم وتساؤلاتهم. لكن الغريب قد يتبدد، لما نعلم أن هذا الاستوديو كان يعد نقطة بداية نجوم الطابع الغنائي المعروف بـ "الراي" والذين سافروا إلى فرنسا، مثل مامي وخالد وغيرهما، وذاع صيتهم في باريس خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. فهذا الاستوديو له رمزية كبيرة من المنظور الفرنسي. واكتسب الاستوديو شهرة عالمية في الفترة الأخيرة، عندما طرح الفنان الفرونكو-جزائري "دي جي سنيك" أغنية مصورة بعنوان "ديسكو مغرب".
هذا الاختيار لم يكن أبدا اعتباطيا بل كان مقصودا من الجانب الفرنسي، لأن فرنسا تبقى حريصة على الدفاع عن نفوذها الثقافي المتوغل في المجتمع الجزائري وخاصة لدى الطبقة الوسطى المثقفة؛ حيث تعتبر باريس اللغة الفرنسية أداة نفوذ ثقافي يعزز نفوذها السياسي والاقتصادي في الجزائر، حتى وإن كانت اللغة الفرنسية ليست لغة رسمية في الجزائر، لكنها أيضا ليست غريبة تماماً، وتستغل باريس هذه النافذة لحماية مصالحها ونفوذها في الجزائر خصوصا وأفريقيا عموماً.
ما تفعله باريس يندرج ضمن ما بات يعرف بالدبلوماسية الثقافية أو "القوة الناعمة"، وهو مصطلح جديد في مجال السياسة الخارجية، ظهر عندما أدرك السياسيون أن قوة الدولة لا تقاس بالقوة الاقتصادية ولا بالتفوق العسكري فحسب، وإنما أيضا بمدى قدرتها الثقافية على إنشاء علاقات بالدول الأخرى، على مستويات تبادل المعلومات والتطور المعرفي وترويج الفنون وغيرها من جوانب الثقافة. لذا، توجه المتخصصون في السياسة الدولية إلى الثقافة، ونظروا إليها على أنها "دبلوماسية القرن الواحد والعشرين" نظراً لما تملكه من مقومات أكثر تأثيراً على الشعوب من العمل الدبلوماسي التقليدي الرسمي.
وتشمل الدبلوماسية الثقافية برامج التبادل الأكاديمي والمهني والثقافي وتقديم برامج نشر وتطوير اللغة الفرنسية ومنح دراسية للطلبة الجامعيين وحضور المؤتمرات العلمية والأدبية، وصناعة الأفلام، والفنون المسرحية، والمعارض الفنية والعروض؛ وهذا ما ذهبت إليه الاتفاقات المبرمة بين الطرفين الجزائري والفرنسي خلال هذه الزيارة.
وتشير المراجع أن فرنسا تعد الدولة الرائدة في موضوع الدبلوماسية الثقافية، وهي من أكثر الدول إنفاقاً في مجال التعاون الثقافي الخارجي، ثم تأتي بعدها ألمانيا ثم المملكة المتحدة. وقد رأت فرنسا أن وجود المدارس الفرنسية خارج فرنسا أمر ضروري لإرساء أسس الدبلوماسية الثقافية الفرنسية، فحرصت حتى اليوم على إقامة مراكز ومعاهد ثقافية في أكثر من 150 دولة تعمل كلها على نشر الفرانكفونية. وتكفي الإشارة هنا إلى ما قاله مؤخرا كزافيي داركوس، مدير المعاهد الفرنسية بالخارج، بأن بلده سيعوض تراجعه النسبي في التنافس الصناعي عبر الحفاظ على نفوذه الثقافي، والدبلوماسية الثقافية حسبه "ليست ترفاً، بل رهانا حيويا".


الدبلوماسية الثقافية، رهان حيوي، هيمنة فكرية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع