رضا،قصة، قصيرة، الجزء الأول
د.أمل محمد الأسدي | Amal Muhammed H.JASSIM
17/04/2021 القراءات: 3711
رضا
ــــــــــــــــــ
د.أمل الأسدي
(1)
قبل أن تلتقي به تعرفه، فبعض الأحيان تكون لقاءاتنا الأولی معتقة برائحة حكايا وأماكن ونظرات جمعتنا سابقا،لايُعلم مكانها أو زمانها،بل لايُعلم حتی عالمها!!
تشعر به أنه قريب جدا وأن تاريخا من القضايا يربطهم، قضايا الحياة علی اختلافها: الحب، المبدأ،العقيدة، الشعر، الفن، الاهتمام..الخ ثمة آواصر عقدتها يدُ الجمال المطلق! لكن هذا لايعني أنها لا تجهل خفاياه اليومية، كيف يعيش؟ أين يضع رأسه ليلا لينام؟ بجنب من؟ أين مواطن أنفاسه الثائرة؟ وهل ستبقی ولايته عليها قلبية ،وولايتها عليه روحية؟ متی يقضمون الزمن ويشعرون بلذة الدقائق!!
هو يعرفها أيضا... وعلی شاكل معرفتها به، معرفة المواقف، والمحبة المائية، بين يديه ولاتبلغ فاه!!
حين التقيا هذا اليوم، وتحديدا حين التقت عيناهما، شعرا بثورة التاريخ المشترك بينهما، نظرتان تنتصر علی الزمن،تنتصر علی المنطق، تُكسِّر كل حدود العقل، نظرتان تمد يديها في أعماقهما لتتشابك وتعلن عن بداية انطلاق رحلة الذوبان!!
(2)
حين توالت اللقاءات بقي الصمت يغازل لسانها، تطلق كل ما يسبح في عالمها الأخضر إلا الاسئلة الخفية!!
بقيت تجذف بها يمينا وشمالا، تمضي بعيدا ولاجواب لشطآنها!! متی تحرث اللقاء (صفا) وتبذر الأسئلة ؟
ومتی يبادر (أحمد) ويُفتِّح الأبواب للبيدر الذهبي؟
لكل شيء آوان، ولاسيما في الحب، فثمة مدبر لعالمه، وثمة منسق يُفجِّر الأنهار بكفّه!
اليوم وبعد أن ارتدت اللهفةَ، وتعطرت بالفرحة، مضت إلی لقائه وأنفاسها تركض قبلها!
وصلت، تُقلِّب النظرات، تتحسس صوته، لم تجده!!
لم يحضر اليوم، والموعد الشمسي جلس وحيدا يبكي الانتظار!!
أخرجت جوالها وقد لحظ الحاضرون رجفة يديها ورعشة صوتها، اتصلت به:
ـ أين أنت؟
ـ أنا مضطر إلی السفر، سامحيني، سأخبرك لاحقا!
لايعلم ما عصف بها إلا الذي خلقها، قلق... خوف.. خيبة.. موعد لاهث... مجهول مفترس... والصمت يفتح فمه لها!!
تجولت في أروقة حضوره، تشعر أن وجهه علی كل جدار، وصوته علی كل مكتب، وعطره جالس علی كل كرسي!! وشيئا آخر غريبا: انتماء متين، وانصهار كليّ، كأنه احتل حضورها رغم غيابه، ملأ داخلها، سكنها كلها ولم تخلُ ذرةٌ منها من(أحمد)
طريق العودة كان غروبيا حزينا،لكنه بقي أنيقا كصاحبة الموعد،تسير السيارة وعينا(صفا) تمشِّط الطرقات،وتضفر الحكايات وهي تسمع : يفر بية هوا المحبوب يايمة!
(3)
ماذا جری، ومتی يكتب لي كي أطمئن؟ هل أتصل به؟ لا لا..لأنتظر
حسنا لأكتب له: أين أنت الآن؟
ـ أنا وصلت وبخير، هذه ضريبة المبدأ، تحمليني،فالعمل الإعلامي سلاح ذو حدين، يكشف ويزيح من جهة، ويُنزِل ويطيح بصاحبه إذا ما مسّ الأصنام!!
سأبقی بعيدا إلی حين حلحلة الموضوع!
ـ أنا معك في كل الأحوال، روحي ترفرف حولك لتحرسك كملاك موكل بقلبك!!
هنا آن آوان تفتح الأزهار، جدلية الحب الغريبة، تزيد المسافات المادية وتتلاشی المسافات المعنوية تماما، انطلقا الآن، لايوجد في عالمه غيرها، ولايوجد في عالمها غيره!! ستحرر الأسئلة الموقوفة، وتكسِّر كل الحواجز الرمادية!! لن تضيع الفرصة فلابد من اقتحام يفض غشاء الغربة!! وعلی قائمة هذه الأسئلة يتربع سؤالها الأنثوي: أين هي؟ أين زوجتك؟ ألست متزوجا؟
ـ نعم، متزوج؛لكني انفصلت، بقيت بعض الاجراءات الرسمية!! لكن قلبيا لايوجد أي ارتباط!!
ابتسمت وحلّق عطرها فوق مرايا النشوة، حولت جوالها الی اليد اليسری وبيمينها أزاحت مشبكها الذهبي، لينحدر شعرها كشلال ضاحك يعشق الأرض!
ـ لماذا انفصلت؟
ـ لاحب... لا انسجام.. لاتفاهم، أفكارنا متناقضة،يستحيل أن أعيش مسجونا وأنا طائر يتقن التحليق!!
كلامه وغربته ونشوتها، كل ذلك كان موعدا لانطلاق رحلة الربيع المعجون بالخمرة!
(4)
انتهت حياة الرماد، وأعلنت النوافذ عن موسم الحمام العاشق، كل يوم يمضي أجمل من سابقه، فهي أقرب إليه، وهو أقرب وأقرب، أمس أهداها أغنيةً، منذ تلك اللحظة ووسادتها ثملة، وسريرها عائم، وعيناها ذابلتان، وتمورها دانية!! أغنية هاني شاكر(هو انت لسة بتسألي) كانت ساحرة وآسرة !!
أحمد مازال يقاوم بركانها، مازال يقاوم عطرها الثائر، ثمة مشاعر متسلطة تريد أن تفرض لحظاتها عليه، تدعوه لإشعال حقول الزعفران، لماذا الأنهار متفجرة تحته ولا يرتوي؟ لماذا الحياة لاتنصفه؟ أليس من حقه أن يقضم الكرز؟ أليس من حقه أن يقشِّرها كتفاحة سماوية ويأكلها، ويمتص سكرها المخبوء منذ ألف شهقة؟ أليس من حقه أن يدثرها بشمسه اللاذعة؟ أليست هي الأولی بمواسم الحصاد؟
لماذا ولماذا ولماذا.... أسئلة حتی في ولادتها لذة
يشتهيها العابد القديم!!
(5ٝ)
في طريق عودته هو، وهي مزروعة كنبتة تتشهی لحظة المطر، متی يصل؟ متی تطمئن وتهدأ الأقمار؟ متی تسكن مدائن المرمر؟ متی يستقر عقدها اللؤلؤي؟ كل هذه المشاعر تزاحم أفكارا خفية ومخيفة بالنسبة إليها، لم تبح بها إلا لصديقتها الصامتة (المرآة)
- ماذا لو عاد واستثقل الوحدة وقرر إعادتها؟
ماذا لو تدخل أهله أو أهلها وأعادوها إليه؟
يبدو الأمر سهلا مادام لم يتم الإنفصال رسميا!
ماذا لو علمت بوجودي، ستقرر العودة حينها، هكذا هن أغلب النساء، الحكاية عندهن حكاية تملك وحسب!!
اوو ... لا.. ماهذه الأفكار؟ لن يحدث شيء من هذا القبيل!! ليصل سالما أولا.. دعي هذه الأفكار يا صفا.
تابع الجزء الثاني
صفا، رضا،الانتظار،التكنولوجيا
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع