•┈┈•❁ ميراث الأنبياء ❁•┈┈•
الدكتورة سراح حليتيم | Dr. Sarah HALITIM
06/03/2024 القراءات: 904
📜 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله حمداً كثيرا طيبا مباركا فيه، والصلاة والسَّلام على نبينا وقدوتنا محمَّد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛
يقول النبي ﷺ: "إنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياءِ، وإنَّ الأنبياءَ لم يُورِّثُوا ديناراً ولا درهماً، إِنَّمَا ورَّثُوا العِلمَ فمن أخذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ". رواه أبو داود وغيره.
العلماء ورثة الأنبياء ...
علم المواريث هو علم يهتم بتقرير حق شرعي في انتقال مال المُوَرِث إلى وارثه، في حدود نصيبه وبناءً على صفته في المسألة، بعد تحقق الأسباب وإنتفاء الموانع.
وارتبط مفهوم الميراث بالغنى والثراء، فمن النادر أن يتنازل شخص عن حقه في الميراث، كونه حق مكرس له شرعاً، وأنه من قبيل الكسب اليسير.
هذا الميراث دنيوي، فمهما لازم الوارث في حياته، فسينتقل إلى ورثته بعد وفاته، كما انتقل إليه مال غيره، فالحرص الشديد على ميراث الدنيا، جعل النَّاس تتعلق بالمال الموروث، فكم من عائلات شُتِّتت، وكم من جرائم ارتكبت، وكم من قضايا رفعت بسبب تقديس المال.
إلَّا أنَّ هناك فئة من النَّاس أنار الله بصيرتهم بنور الهدى والفلاح، وأرشدهم وساق خطاهم إلى أقدس وأشرف ميراث، "ميراث الأنبياء"، وكفى به عزّا وفخراً، كيف لا، وقد قال عنه النبَّي ﷺ أنه من أخذه أخذ بحظ وافر!
وكما أن انتقال الميراث لا يتم إلا بتوافر شروط موضوعية وتتبع إجراءات شكلية، كذا استحقاق ميراث الأنبياء له ضوابط وإجراءات خاصة به، وهذا بالنظر إلى قدسية عناصره، وضوابط استحقاقه.
أولا: عناصر ميراث الأنبياء:
1-الأنبياء (المُوَرِث): اصطفاهم الله، وبعثهم ليبينوا دينه في الأرض، فأرسل كل رسول بلسان قومه، ومع اختلاف عصورهم وتشريعاتهم، إلا أن رسالتهم واحدة موحَّدة وهي تحقيق قوله تعالى: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ". سورة الذاريات.
ومن عظيم فضل الله عزَّ وجلَّ ومنَّته على أمة محمَّد ﷺ، أن جعل رسولها خاتم الأنبياء وسيِّد المرسلين، أرسله الله بالقرآن للناس أجمعين، لم يترك عليه الصلاة والسلام خيراً إلا دلَّ عليه، ولا شراً إلا حذَّر منه، فكانت الأمة الإسلامية بذلك خير أمة.
أمضى عليه الصلاة والسلام حياته في الدعوة والتبليغ، صبر وصابر، جاهد وناضل، تحمَّل و واصل، فقط من أجل أمَّته ..
وما ميّز الله به المسلمين على غيرهم ممن يدَّعون أنهم على دين، أن الإسلام يُلزم الإيمان بكلِّ الأنبياء، وأنهم بلَّغوا الرسالة، وأدَّوا الأمانة، وأن قومهم بعدهم، حرفوا دينهم، بما تهواه أنفسهم.
2- العلماء (الورثة): لا يشترط لتوريثهم حصر عددهم، لإثبات صفتهم في الحق الموروث، فقد يرثه من هو في أقصى الشرق، كما قد يرثه من هو في أقصى الغرب، وقد يرثه العربي والأعجمي، والكبير والصغير، والرجال والنساء، على مرِّ الأزمان، دون أن يؤثر ذلك على قيمة الحق الموروث، ولا على أسهم الورثة، وهذا من كرم الله عز وجل بعباده، في إستحقاق هذا الميراث النفيس، فجعل الحق مشروع لمن أراد أن ينال هذا الحظ العظيم.
3- العلم (الحق الموروث): والمقصود بالعلم هو العلم الشرعي، كتاب الله وسنَّة النبيﷺ، الذي يتوارثه الأجيال كما ثبت عن النَّبيِّ ﷺ، بأمانة وحرص شديدين، وقد كفل الله عزَّ وجل حفظ كتابه، فقال تعالى "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ".سورة الحجر
فدين الإسلام من أكمل وأتم النعم التي يمكن للشخص أن ينعم بها، إذا تمسَّك به وعظَّمه، ومن ابتدع أو سنَّ أو شرّع أصلا أو تبعا ما لا يتماشى وتعاليم القرآن والسنَّة فأمره مردود، فقال النبي ﷺ: "أُوْصِيْكُمْ بِتَقْوَى اللهِ وَالسَّمعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلافَاً كَثِيرَاً؛ فعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ". (رواه ابو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح).
ثانيا: الضوابط الشرعية لإستحقاق ميراث الأنبياء
جُمعت الضوابط الشرعية لإستحقاق ميراث الأنبياء في سورة العصر، فقال تعالى: "وَٱلۡعَصۡرِ (1) إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ (2) إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ (3)".
تضمنت هذه السورة أربعة ضوابط:
1- العلم (الذين آمنوا).
2- العمل به (وعملوا الصالحات).
3- الدعوة إليه (تواصلوا بالحق).
4- الصبر على الأذى فيه (تواصوا بالصبر).
فبالضابطين الأولين يكمل المرء بهما نفسه، وبالضابطين الأخيرين يكمل بهما غيره، وبإجتماع كل الضوابط يكون المرء قد فاز بالحظِّ الوافر الذي أرشد إليه النبي ﷺ، وهو "ميراث الأنبياء".
و الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
• أكاديمية ميراث الأنبياء العلمية:
https://t.me/SarahHalitim
ميراث، الأنبياء.
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع