سيناريو الحرب في استعارة "الأُمّة شخص"
د. روضة جديوي | Dr. Raoudha Djedioui
25/12/2022 القراءات: 1379
إنّ تشخيص الأمّة يجعلها تتميّز بجانب هام من لوازم ومقتضيات الإنسان؛ فنرى ما كان غير بشريٍّ بشرياًّ، إلّا أنّ التّشخيص ليس عمليّة فريدة واحدة وعامّة؛ فكلّ تشخيص يختلف عن الآخر باعتبار المظاهر التي يقوم النّاس بانتقائها.
فمثلا؛ للبرهنة على رسوخ "استعارة الحرب" و"استعارة الأُمّة شخص" في أذهاننا، قمت بانتقاء بِنْية تمثيلية من العبارات الاعتياديّة التي تستعمل عادة في وسائل الإعلام وهي:
- «تُوَاجِهُ أُمّتنا العربيّة تحديّات قاسية تفرضها ظروف خاصّة ناجمة عن العولمة، لذا كان لزاما علينا الدفاع عن أمّتنا بكل ما أوتينا من قوة».
وسأنطلق في معالجة هذا التعبير الاستعاري من فرضيتين أساسيتين:
الأولى: اعتقادنا أنّه يمكن للمرء التفكير في الاستعارات التصوّرية الراسخة في الذاكرة طويلة المدى (النظام التصوّري التقليدي) وهي "استعارة الأمّة شخص".
والثّانية مفادها: ردّ منابع الاستعارة التصوّرية الكبرى التي تُبَنْيِنُ بعض البُنَى اللغوية إلى مجال "الحرب"، لنحصل على "استعارة الحرب"، وهي إحدى الاستعارات البنيوية التي يفعلها نسقنا التّصوري كلّما تعلّق الأمر بالمشكلات الخطيرة والعصِيبة، والمبادرات والاستراتيجيات التي يتمّ تطويرها لحلّ هذه المشكلات.
تقوم هذه الاستعارة على جملة عناصر أساسية تنبني منها هي: وجود خصمَيْن، وهجوم، ودفاع، ومناورة، وتحالف.... إلى غير ذلك من العناصر الأخرى المكوِّنة لبِنية الحرب.
وما يدعم هذه الفرضية هو وجود خصم استثنائي صُــوِّرَ لنا استعارياً في صورة "عدوّ" عنيد يهاجم أمّتنا، وهنا يحضر نسق "الأمّة" باعتبارها شخصًا مُدافِعًا ضدّ نسق "العولمة" باعتبارها كيانًا مُهاجمًا. وهو ما يدفعنا إلى اعتبار استعارة التشخيص هي الاستعارة الممتدّة (extended metaphor).
وحتى نُؤسّس لتحليلنا تأسيساً صحيحاً سنطبّق مبدأ التّحديد الاستعاري بطرح مجموعة الأسئلة التالية:
مَن الضّحية؟ ومَن العدو؟ ومَن المنقِذ؟ وما الذي يجب فعله؟ وكيف؟
تقود الإجابة عن هذه الأسئلة إلى صياغة "السيناريو الاستعاري" التالي:
الضحيةّ: الأمّة العربيّة.
العدو: العولمة.
المنقِذ/ البطل: الشعوب العربية.
المطلوب: تحدّي العدوّ/ العولمة.
الطريقة : تتمّ كما يلي:
- التجنّد الجماعي- التعبئة الشاملة لكل أفراد الشعوب العربية والدفاع بشجاعة عن قضايا أمّتهم المشتركة – حماية ممتلكات الضّحية – التصدّي للأعداء المحتملين...إلخ
يوفّر لنا هذا السِّينَاريُو الاستعاري اختزالا لسانيا واستعاريا أكثر ممّا توفّره الاستعارة التصوّرية فهو أغنى منها في المحتوى وأكثر تنظيمًا، وما يجعله ممكن الصّياغة، هو نمط الاستعارات الأنطولوجية الَّتِي تُبَنْيِنُ التعبير الاستعاري السابق؛ إذ تسمح لنا بتقديم تحليل عقلاني لتجاربنا؛ وأعني بالتشخيص هنا الذي يمكن من خلاله إسناد أفعال للمجرّدات بوصفها كيانات، فتسهّل عملية إعطاء أدوار لها في سيناريو الإنقاذ، الذي يجد أساسه في استعارة "الحرب" المُمْتدَّة في البِنْيَة التمثيليّة المذكورة أعلاه؛ كون التصوّر المراد الإحاطة به يتعلّق بالصّراع، وليس هناك أوضح من استعارة "الحرب" لبَنْيَنَتِهِ؛ ولذلك نجدها هي المسؤولة عن تماسك البنيات التَّصَوُّريَّة الــمُؤَطِّرة للاستعارات التصورّية الصّغرى التي تُبَنين التّعبيرات الاستعارية.
الاستعارة التصوّرية؛ السيناريو؛ التحديد الاستعاري
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع