القراءة وبناء الفكر؛ حديث عن القراءة وأنواعها وأثرها في بناء الفكر
عامر خليل الجراح | Amer aljarah
21/02/2021 القراءات: 2722
نقف في هذه المدوّنة على مصطلحين: هما القراءة والفكر أوّلًا: القراءة القراءة في اللغة بمعنى الجمع، ومنها القرآن؛ لأنه يجمع السور، والقرية التي تعني مجتمع الناس، فهي تعبّر عن معنى الجمع والملء، فالإنسان الذي لا يقرأ يكون مفرّغًا؛ لأنّه لم يجمع شيئًا في نفسه في عقله وقلبه- ذكر القلب هنا يشير إلى معنى امتلاء النفس بالشعور- بخلاف الإنسان القارئ، فيتبيّن لنا أنّ القراءة تعني الجمع والملء، وأنّ المملوء هو النفس عقلًا وقلبًا، وأنّ المالئ لها هو الفكر والشعور، ونوضّح الأمر بالخطاطة الآتية : المالئ = الفكر والشعور المملوء = العقل والقلب (النفس) أداة الملء = القراءة فالقراءة هي أداة الجمع والملء، وهنا سًمّي الشيء باسم أداته. وتأتي أهميّة القراءة في بناء كل من الفكر والشعور، غير أننا سنكتفي بالحديث عن الفكر تحديدًا على أمل الحديث لاحقًا عن أثر القراءة في بناء الشعور إن شاء الله. تأتي أهمية القراءة في جمعها المعلومات وملئها عقل القارئ كما بيّنا، وثمّة دليل قاطع على أهمية القراءة يتمثّل في كونها أوّل ما نزل على النبيّ ومن ثمّ على الأمّة ومن اهتدى واقتدى بها إلى يوم الدين؛ إذ قال سبحانه: (اقرأ) في حادثة الغار الشهيرة، وكرّرها الروح الأمين على الصادق الأمين ثلاثًا، والأمّة الأميّة كان ينقصها أمر القراءة لمّا كان التدوين نادرًا، غير أنّه بظهور البعثة وانتشارها بدأت حركة التدوين تنشط، فنشطت القراءة بذلك، وصارت الأمّة الأميّة في مقدّمة الأمم علمًا وفكرًا وثقافة. السؤال: هل القراءة وحدها مصدر جمع المعلومات؟ وما المعلومات التي يمكن أن نستفيد منها في بناء الفكر؟ في الواقع هناك سبل كثيرة لجمع المعلومات، غير أنّ القراءة أفضلها؛ لأنها تتّسم بالمرونة في التكرار والحفظ، والتفاعل والديمومة والخلود، ومن الوسائل غير القرائية التجربة والملاحظة والفرضية والسماع وغير ذلك، وهذه قد لا تدوم كثيرًا، وقد تسقط من يد الدهر إلّا إذا دُوّنت وصارت قرائيّة. أمّا المعلومات التي يمكن الإفادة منها فتحديدها قد يكون سهلًا وقد يكون صعبًا بحسب تحديد مفهوم الإفادة والمنفعة، غير أننا نقف على بعض المصطلحات التي نفترضها، ونفترض أنّها تتعلّق بالقراءة هي: 1- القراءة المركزية العامّة التي تقدّم إفادة على المستويين القريب والبعيد، إن تمّ فهمها ووعيها، ولعلّ قراءة القرآن الكريم على رأسها؛ إذ إنه كلام خالق البشر وكافلهم، وكلّ الكتب التي تبني الفكر العامّ وتفيد من قريب أو من بعيد تدخل في ذلك. 2- القراءة المركزيّة الخاصّة، وهي القراءة التخصّصية في المجال الذي يريد الإنسان أن يتخصّص فيه، كالطب والفلك والأدب واللغة وغير ذلك من العلوم والفنون. 3- القراءة الهامشية، وهي قراءة تقدّم معلومات محدودة قد يستثمرها الإنسان في بناء فكره، وقد لا يفعل ذلك. 4- القراءة المجانية، وهي القراءة التي لا تتعلّق باهتمامات الإنسان، وهذه قلّما يُقبل عليها الإنسان ويمارسها. وهناك أنواع أخرى من القراءة غير أننا نكتفي ببعض ما يوضّح المشروع الذي نحن بصدد الحديث عنه. ثانيًا: الفكر الفكر: إعمال الخاطر في الشيء وتأمّله، وقد يعني الحاجة، فيقال: ليس لي في هذا الأمر فكر أي ليس لي فيه حاجة، فالحاجة هي أمّ الفكرة، وكثير من الأفكار بُنيت على أساس وجود حاجات وإشكالات تثير أسئلة للتأمّل والتفكّر. والفكر مصدره العقل، فهو ينمّي العقل وينمو به، والعقل الخامل هو الذي لا تحرّكه الحاجة ولا ينتج فكرة فلا ينمو، ومصادر نمو الفكر والعقل متعدّدة، ونحن اعتمدنا القراءة ههنا بوصفها أبرز تلك المصادر، ومن المصادر الأخرى ما طرحناه في ذكر الوسائل غير القرائية مثل: التجربة والافتراض والسماع وغيرها، فالمعلومات التي تؤمّنها القراءة هي المعلومات التي تتّسم بالبقاء والحفظ والخلود، وهي تغذّي الأفكار على مرّ التاريخ، ومن هنا رأى المؤرخون والأنثربولوجيون وعلماء الآثار أنّ الحضارة بدأت بالكتابة؛ لأن الكتابة دليل وجود الإنسان العاقل، ودليل استمراريته؛ إذ إن ما كتبه إرث للأجيال تقرؤه وتبني عليه. والأسئلة المهمة التي تُطرح: ما المعلومات التي يجب أن نقرأها، فتبني فكرنا؟ وكيف نختبر ذلك؟ وكيف يكون توجيه القراءة نحو بناء الفكر؟ إنّ تحديد المعلومات التي يجب قراءتها يكون بمراعاة نوع القراءة، فنبدأ بالقراءة المركزية العامّة، ونركّز على القراءة المركزية الخاصّة، ولا ننسى القراءة الهامشية، أمّا القراءة المجانية فالأفضل الابتعاد عنها إلّا إذا تعلّق الأمر ببناء الشعور مثلًا، وهذا يحتاج إلى بحث آخر. أمّا اختبار القراءة فيظهر من خلال الفعل، فهل نحن نستفيد ممّا قرأناه ونفعّله؟ هل نبني عليه، لأنّ البناء على المعلومة هو أساس بناء الفكر ونموّه، وقلّة من القرّاء والباحثين والدارسين يطوّرون المعلومات ويفعّلونها وينمّون الفكر عندهم. وأمّا توجيه القراءة، فبالإضافة إلى التحديدات العامّة لأنواع القراءة من مركزية عامّة وخاصة وهامشية ومجانيّة نستطيع أن نستفيد من خبرات من هم أكبر منّا قراءة وعلمًا، ولا سيّما في مجال التخصص، فذلك يساعد على توجيه قراءتنا، فيقلّل الجهد والوقت، فتكون النتائج أسرع؛ لأن كثيرًا من مشاكل القراء والدارسين تتعلّق بالإجابة عن: ماذا نقرأ؟ فيقضون في ذلك وقتًا طويلًا وقد لا يصلون إلى نتيجة. فعلينا: أن نعي معنى القراءة وأثرها في بناء الفكر، وأن نعرف ماذا نقرأ وكيف نقرأ، وأن ندرك أن كل ذلك يتعلّق برغبتنا في بناء فكرنا أوّلًا، وبرغبتنا في بناء المجتمع والإنسانية ثانيًا.
القراءة، الفكر، البناء، المجتمع، الإنسانية.
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة