مدونة ياسر جابر الجمال


النص بين الإبداع والتلقي

ياسر جابر الجمال | Yasser gaber elgammal


14/07/2023 القراءات: 1483  


ثمة علاقة بين كاتب النص – مبدعه- وبين ناقده الذي يتناوله بالكتابة والتحليل، فهذه قضية نقدية ذات حيثيات متعددة، فالمبدع عند يكتب فإنه يحول فعل الكلام أو الموقف أو التصور الذهني إلى نص على الأوراق، وهذا في حد ذاته تعبيرًا على أفكار ومواقف ضد مواقف أو تساند مواقف أخرى، يقول أستاذنا عبدالله الغذامي" الكتابة فعل ضد فعل ، موقف ضد موقف ، مواجهة على صفحات الأوراق والكتب ، فعل انتقل من الواقع إلى واقع أخر يمكن صاحبه من التكلم بما لا يمكنه فعله مباشرة . إنها عملية تدافع بين الأطراف . وسوء كانت هذه الكتابة إبداعية أم غير ذلك ، فإنها في حاجة إلي تحديد رسالتها شاء الكاتب ذلك أم لا ،. فإن النص في حد ذاته يحمل مكوناته الرسالية إيجابا وسلبا ويتخذ موقفا محددًا من الواقع .
فهذه أولى خطوات العلاقة بين النص ومبدعه، علاقة بين منتج ومنتوج، تتجاوز القراءة المعيارية، وتنفتح على انساقاق وسياقات لا حصرها من التأويل والتفسير والتعليل والتحليل ، وهذه مهمة الناقد، فالنص يتعدى كونه" وحدةٌ نحويةٌ دلاليةٌ ينتظمُ عناصِرَها اتِّساقٌ نحويٌّ وانسجامٌ فكريٌّ موضوعيّ ومَقصدٌ عامٌّ وإنجازٌ كلاميٌّ أكبر (Macro-act of speech) تنتظمُ فيه أفعالُ الكلامِ الموجودةُ فيه كلُّها. [ولكنّه] ... لا يقفُ عند هذه الحُدودِ؛ فقَد دخَلَت في النّظرِ إلى مَفْهومِ النّصّ مَباحثُ أعلى، تكشفُ عن بنياتِه الكبْرى، كأجناسِ الخطابِ وأنماطِه، وغيْرِها من المَجالاتِ التي تتداخلُ فيها مَباحثُ لسانيّاتِ النّصّ وتَحليل الخطابِ فيما بيْنَها. وقد بَلَغَ أمرُ تعقُّد الظّاهرةِ النّصّيّةِ عندَ كثيرٍ من الباحثينَ إلى حدٍّ صَعُبَ مَعه اختزالُ النّصّ في وحدةٍ مُحدّدةِ المَعالمِ تركيباً ومَعْنىً. فكانَ مَفهومُ النّصّ فَتْحاً كبيراً خلَّصَ البحثَ اللّسانيَّ من وطأة الجملةِ، وسَمَحَ بالانفتاحِ على الخطابِ، في أجناسِه وأنماطِه المُختلفة. والنّاتجُ من هذا التّطوّرِ أنّ الخطابَ يَحملُ في صُلبِه النّصَّ اللغويَّ في بنائه وتَماسكه، ويزيدُ عليْه بإدماجِ أطرافِ التّخاطُبِ ومَقاصد الخِطابِ وظُروفِ الزَّمانِ والمَكانِ التي تُنجَزُ فيها أفعالُ الكلامِ. وأصبحَ من مهامِّ نَحوِ النّصّ رَصدُ بناءِ النُّصوص ونَسْج الخطابِ في مقامٍ مُعيّن، حتّى يُحقِّقَ للنّصّ أغْراضَه التّداوليّةَ ويكشفَ عن التَّناسُبِ بينَ بنية النّصّ وظروفِ إنجازها "
إننا نستطيع من خلال هذا الاقتباس أن نقول: إن قضية النص أصبحت قضية فلسفية أكثر كونها لغوية تنتمي إلى سياقات متعددة تأتي على رأسها فلسفة اللغة باعتبارها الأداءة الأكثر تأثيرًا في الفعل الإنساني؛ ولذلك فإن مبدع النص يحتاج إلى جذور معرفية عميقة ومؤسسة على معطيات موسوعية عابرة غير مختزلة في نسق مغلق حتى يخرج نصًا ذو سلطة معرفية ودلالة عميقة .
أما ناقد النص ودارسه، فهو المنقب حول جغرافية هذا النص وهندسته الكتابية، وسياقات المعرفية وجمالياته التي تقفز من خلال كلماته وتراكيبه، ولا بد لنا أن نفرق بين النص الحقيقي محل الدراسة والتناول، وبين الكتابات التي عالجت النص قبل ذلك، فإننا نرى أن مجرد جمع ما كتب حول نص أو منجز معرفي من أدبيات لا يعد عملًا نقديًا خالصًا؛ وإنما هي ترتيب وتبويب، بخلاف العمل النقدي الخالص الذي يستطيع الناقد إخراجه من خلال النص وفق رؤيته التي تمكنه من فعل ذلك.فهو بذلك يمثل اضافة للنص وليس اجترار لأقوال الأخرين، وإنني على قناعة أنه أمر صعب وليس مستحيلًا ، كما أنه لا يتوفر إلا للقليل والقليل النادر ،وهؤلاء هم النقاد الحقيقيون الذي غاصوا في بحار اللغة والمعرفة والأنطولوجي بكافة صنوفها حتى استطاعوا بلوغ ذلك .


الأدب، النقد، الإبداع


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع