المعادلة التفاضلية المعاشية في قسم مادة الأرزاق بين الناس
عبد الحميد بغوره | ABDELHAMID BEGHOURA
27/11/2022 القراءات: 2254
"أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ"
المعادلة التفاضلية المعاشية في قسم مادة الأرزاق بين الناس
أجرى الله سبحانه وتعالى قانون التفاضل وأجرى مفعوله بين خلقه ليخلق مزيجا تركبيا مكونا من طبقات وهي المعبر عنها ب:"درجات" بحيث تتفاوت هذه الأمزجة فيما بينها من حيث كمية المادة المادة المقسمة لها- فتجد الطبقة المشبعة أو بالتعبير القرآني المترفة التي تسيطر على عالم السوق والتجارة فهذه الفئة من الناس يرجع تصنيفهم إلى أصحاب الشركات الكبرى ورواد الأعمال ورجالها ثم تليهم طبقة الأغنياء التي هي دون الأولى إلى الطبقة المتوسطة أو الموسرة من أصحاب المهن رفيعة المستوى كالمهندسين والأطباء والعاملون في صناعة وتطوير منتجات الحاسب الآلي...وغيرها، إنتهاء بالطبقة الفقيرة، وكل طبقة تحمل تحتها من الناس درجات- ففرق المادة الحاصل في هذا التقسيم جاء معللا في السياق نفسة بلام التعليل "ليتخذ بعضهم بعضا سخريا" إذا فالعلية هي وصف السخرية والتسخير وهي لفظ مشترك يحمل معنيين إما السخرية التي ورد النهي بخصوصها في قوله تعالى: " ولايسخر قوم من قوم" أو هي المعنى المذكور في أيما موضع من القرآن ومن ذلك قوله تعالى "وسخرنا مع داوود الجبال يسبحن "وسخر لكم الشمس والقمر دائبين"، فالمعنى الأول منهي عنه نهي تحريم؛ لكن الله المتسبب فيه هو الله، وهذا مشعر بوجود تناقض فكيف يوجد الله سببا ويهىء له مسببات وقوعه ثم ينهى عن إيقاعه؟، لاشك أن هذا التعارض يستحيل في حق الله إلا أنه حاصل في أذهاننا ولفك هذا التعارض ورفعه يمكن أن يقال :
-أن المعنى المنهي عنه غير مراد لأنه يعترض عليه من جهة كونه موقع في مشكل التعارض.
-أن الله مخبر بحصول فعل السخرية من الفاضل على المفضول لعلمه المسبق لا أنه أجراه قانونا سببيا يحتم نتيجة الفعل المنهي عنه
-أنه ينسب إلى الله من جهة الاختصاص أي أنه مالك لعبده وفعله لأنه موجدها فصح عقلا أن ينسب له ذلك من غير نقص لأنه قادر على أفعال النقص منزه سبحانه عن فعلها.
وهو بمعنى التحقير ووصف الدرجة الأقل حظا ووصمها بالدنيوية وهو محتمل بدليل الالتزام والاقتضاء لأنه لا محالة حاصل أن يسخر الطرف الأعلى من الأدنى وهذا من فعل النفس الفاجرة "فألهمها فجورها وتقواها " التي يقتضي عملها أن توسوس للطبقة الأعلى بعمل كل أنواع الشرور فيما يتعلق بالمفاضلة حتى تصل به إلى المستوى الأقصى للخسرية وذروته وهو البغي و الطغيان "وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض ..."ولو بسط الله لعباده الرزق لبغوا في الأرض"
"إن الإنسان ليطغى أن رءاه استغنى" فاخبر الله بمقتضى الحال الذي يصير إليه الرفيع شأنا في حق الدنىء.
أما المعنى الثاني وهو من التسخير أي التذليل فالدرجة الأقل خادمة ولو من بعيد لأعلى-تقتات منها-والأخرى بحاجة ليدها بطريق مباشر أو غير مباشر فكل مسخر لآخر مستفيد منه لامفر .
وازن الله المعادلة التفاضلية الرزقية بين خلقه موازنة دقيقة داخل المعادلة وخارجها بحيث خلق حركية دائمة دورانية للرزق في اتجاهين غير متعاكسين بحيث تتدافع قوى الجهتين(الفاضل والمفضول)بعضهما ببعض مشكلة حلقة حركية مستمرة مؤذنة برسم معلم سنة التدافع، هذا كله من داخل المعادلة وأما خارجها فهو الثابت ( الأرض والسماء) الذي يستغل ويعمر "وسخر لكم
ماالسموات والارض جميعا منه" بفعل
الدوران(التدافع) الذي يضمن استقرار الثابت وعدم فساده "ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض" وهذا التأثير بين الداخل والخارج تأثير تبادلي موجه بقدر " ولكن ينزل بقدر ما يشاء" .
والحقيقة أن بسط الرزق لآحاد الناس وقبضه عن غيرهم جاء زيادة على ماذكر من السخرية ليحقق ما ختمت به الآية وأشارت إليه من أن رحمة الله خير من السعي في جمع المال لذاته (الذي جمع مالا وعدده)، وينبغي أن ينبه إلى مفاهيم قد تحتملها خاتمة الآية من الدعوة إلى عدم السعي لمرتبة الغنى ولزوم القدر الأدنى من التحصيل المعاشي مفهوم مغلوط لأن عنصر المال والرزق عموما هو عنصر بناء فعال في القيام بعملية الاستخلاف والتعمير ويدل على ذلك الآيات الحاثة على الإنفاق في جميع أوجه البر والإحسان ولايستطيع الإنفاق إلا موسر حقق الزيادة على الحاجة ولا أدل على ذلك ما جاء به هذا الحديث"لا حسد إلا في اثنتين ...ورجل أتاه الله مالا فهو ينفقه في حقه..." فهذا حث واضح على نيل هذه المرتبة حتى أبيح في حقها منهي عنه(الحسد) وليس ذلك إلا لعظم مرتبتها، فالغني هو المؤثر في المجتمع بالطريق المباشر بما يحدثه من فروق في خلق مناصب عمل وإعانة الفئة الهشة من الضعفاء خاصة الحساسة منها كالمرضى واليتامى والأرامل... ، فلا شك أن محصل المال ليبذله في هذه المصارف جدير بأن يحسد وأن ينافس في مؤتاه وأن تشمله رحمة الله التي جمعها من إنفاقه للرزق فكان جمعه للمال رحمة.
الرزق، التحصيل المعاشي، التدافع، التعارض. الرحمة. التسخير
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
جميل
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة