حسن أبو الخير


تنبيه الساجد لحكم تعطيل الجمع والجماعات وإغلاق المساجد [لفيروس كورونا] (1) الأدلة

دكتور حسن أبو الخير | Dr. HASSAN ABULKHAYR


10/06/2020 القراءات: 2897  



مما صاحب أزمة «فيروس كورونا» تعطيل الجمع والجماعات وإغلاق المساجد في شهر رجب من سنة 1441هـ، في أكثر بلاد المسلمين؛ خشية انتقال الفيروس بين الأشخاص، والمسلم يعنيه معرفة الحكم الشرعي المستند إلى الأدلة الشرعية في هذه الواقعة، كالآتي:
أولًا: القرآن الكريم
1- قال تعالى: {ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم} [البقرة: 114].
قال القرطبي في تفسيره: «تعطيلُ المساجد عن الصلاة وإظهار شعائر الإسلام فيها خرابٌ لها».
وقال: «لا يجوز نقضُ المسجد ولا بيعُه ولا تعطيلُه وإن خَرِبَتِ المَحَلَّةُ».
وسُئل شيخ الإسلام عن مساجد بقرية قد خربت فهل تجب عمارتها وهل يحل إغلاقها؟
فأجاب: «نعم، تجب عمارة المسجد إلى إقامة الصلاة فيه، ولا يحل إغلاق المساجد عما شرعت له».
2- قال تعالى: {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال} [النور: 36].
فأمر اللهُ ووصَّى برفع بيوته وهي المساجد، ورفعها المأمور به يكون ببنائها وتنظيفها وتجهيزها... إلخ. وإغلاق المساجد ينافي ذلك كله، فهو فعل لخلاف المأمور به.
ثم أَمَرَ الله ووصَّى بذكره فيها؛ بالصلاة وقراءة القرآن والذكر والدعاء ... إلخ، وغلق المساجد يمنع منعًا باتًّا كلَّ أوجه ذكر الله فيها، وخاصَّةً تأدية الجمع والجماعات فيها.
فكان غلقها منافيًا لعمارتها بالعبادة وهو القسم الثاني من العمارة، كما أنه منافٍ لعمارة بنيانها برفعها وهو القسم الأول.
ثانيًا: السُّنة النبوية
1- حديث جُبَيْرِ بنِ مُطْعِم رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا تَمْنَعُوا أَحَداً طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى فِيهِ، أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ». متفق عليه.
قال الشيخُ العثيمين: «قوله: «يا بني عبد مناف» وجَّه الخطاب إليهم؛ لأنهم هم القائمون على المسجد الحرام..، وقوله: «لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت وصلى» يعني فيه، «أيَّة ساعة شاء من ليل أو نهار» .. في أي وقت لا تمنعوه؛ وذلك لأنَّ المسجدَ لله {وأن المساجد لله}, وقد قال الله: {ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه} وكلمة {أن يذكر فيها اسمه} بدلُ اشْتِمَالٍ من قوله: {وأن المساجد لله}، يعني: أنَّ النَّهي منصبٌ على منعِ ذكر اسمِ الله في المساجد، وكذلك منع المساجد أصلًا وإقفال الأبواب لغير سبب شرعي في وقت يحتاج الناس فيه إلى المساجد».
2- حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللهِ مَسَاجِدَ اللهِ». متفق عليه.
في الحديث النَهيُ عن منع النساء اللاتي لم يجب عليهن الجُمَعُ والجماعاتُ من إتيانهن المساجد، فمن بابِ أولى النهي عن منع الرجال الواجب عليهم، وأولى من ذلك النهي عن منع كل الناس من إتيانِ المساجد، وإغلاقها في وجه الجميع.
وقد جاء في روايةٍ أن ابنًا لعبد الله بن عمر، قال: لنمنعنه، خشية وقوع المفسدة بخروجهن، فسبه ابن عمر وضربه في صدره.
فمنع الناس من المساجد من أجل الأوبئةِ داخلٌ في النهي؛ لأن هذه الأوبئة ونحوها كانت تقع، ولم يعتبرِ الشرعُ فيها هذه المفاسد المتوهَّمة الملغاة كمفسدةِ اتخاذ النِّساء الخروج إلى المساجد.
ثالثًا: الإجماع
قال ابن عبد البر وابن القطان: «إجماعهم على أنه لا يجوز أن يجتمع على تعطيل المساجد كلها من الجماعات».
بل ورد الإجماعُ على عدم جواز تعطيل المساجد من النَّوافل التي تُؤَدَّى جماعةً فيها؛ كقيام رمضان.
قال الطحاوي وابن القطان: «أجمعوا على أنَّه لا يجوزُ للناس تعطيل المساجد عن قيام رمضان».
وهذا الدَّليل يكفي وحده في هذه المسألة؛ فإنَّ «الإجماعَ هو الأصل الثالث الذي يُعتمدُ عليه في العلم والدين»، «وإذا ثبتَ إجماعُ الأمَّة على حكم منَ الأحكام لم يكن لأحدٍ أن يخرج عن إجماعهم».
رابعًا: فتاوى أهل العلم
فتاوَى أهلِ العلم قاطبةً على مدى القرونِ السابقةِ من لَدُنِ النَّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، والصحابةِ من بعده، والتابعين، والأئمةِ الأربعةِ، وأتباعِ المذاهبِ الفقهيةِ، وأصحاب الحديث، والصوفية، وأهلِ الكلام، وأصحابِ الفرق الأخرى...، بل كلُّ من ينتسبُ إلى العلم من أمة الإسلام -على المنع من إغلاق المساجد وتعطيل الجمع والجماعات، مع ورود الأوبئة على مر السنين وفي كلّ الأمصَارِ، ولم يُفْتِ واحدٌ منهم بخلافِ ذلك.
وقد قال الإمامُ أحمد: «إيَّاك أن تتكلَّم في مسألةٍ ليس لكَ فيها إمام».
خامسًا: عملُ المسلمينَ
عملُ المسلمينَ على مَرِّ العصور الماضية على عدمِ إغلاقِ المساجد عند حلول هذه الأوبئة، وقد مَرَّ بالمسلمين أوبئةٌ أكثر فتكًا وأشد، وكان الوباء –كالطاعون- يحصد منهم آلاف الأنفس بل والملايين.
ففي طاعون عمواس مات 25000، وفي الجارف مات في اليوم الواحد 70000، وبمصر 1000 كل يوم، وببخارى 28000 في اليوم الواحد، وبسمرقند وبلخ مات 6000، وغير هذا من الطواعين التي وقعت في تاريخ المسلمين.
وفي هذا كله لم يُؤْثَرْ عن المسلمين -وفيهم أهل العلم الشرعي والدنيوي والملوك والحكام والقضاة والأعيان والعوام- أنهم أغلقوا المساجد وعطلوا الجُمَعَ والجماعات، بل كانوا يَلْزَمُونَ المساجد والصلوات والدعاء والصدقة والتوبة...؛ ليرفع الله عنهم هذا الوباء.
سادسًا: تحقيق التوحيد
إنَّ من تحقيق التوحيد كمالَ التوكُّلِ على الله عز وجل، ونفيَ أن تكون العدوى تؤثِّر بذاتها؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَلَا هَامَةَ وَلَا صَفَرَ». متفق عليه.
قال الشيخ العثيمين: «هذا النفي في هذه الأمور الأربعة ليس نفيًّا للوجود لأنها موجودة، ولكنه نَفَي للتأثير; فالمؤثر هو الله، ...فعلى الإنسان أن يعتمدَ على الله، ويتوكلَ عليه، وقد رُوي أن النبي جاءه رجل مجذوم; فأخذ بيده وقال له: «كُلْ»، يعني: من الطعام الذي كان يأكل منه الرسول؛ لقوة توكله صلى الله عليه وسلم، فهذا التوكُّل مقاومٌ لهذا السبب المعدِي».


حكم، تعطيل، الجمع، الجماعات، إغلاق، المساجد، فيروس، كورونا، الأدلة، الإجماع، التوحيد، التوكل، العدوى


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع


الله ينور عليك يا دكتور حسن ابو الخير