مدونة د. ملاك التميمي


الاثار القانونية لجائحة كورونا على العقود ومددها والمدد القانونية الاخرى

د. ملاك عبد اللطيف التميمي | Dr. Malak Abdullatef Al-tamimi


16/05/2020 القراءات: 4665  



ان الظروف التي خلقتها تحديات الخوف من انتشار فايروس كورونا والاجراءات التي صاحبت ذلك ،جعلت من المقطوع به بان انتشار الفايروس يعد حادث استثنائي عام ، وقد سبق وان اصدر القضاء الفرنسي اجتهادا يقول فيه ان جائحة كورونا تمثل (قوة قاهرة) ، وبما ان فرنسا من دول الاجتهاد فان هذا الاجتهاد الصادر من المحكمة يعد بمثابة قانون بالنسبة لنا، وعليه فقد سارت الكثير من الدول ومنها العراق على خطى محكمة النقض الفرنسية في اعتبار الجائحة (قوة قاهرة) ونحن كمختصين في مجال القانون نستطيع ان نترجم هذا المصطلح القانوني بالتالي:
1- اذا كانت هنالك عقودا قد ابرمت قبل حدوث الجائحة وادى انتشار المرض الى جعل تنفيذها مستحيلا فان هذا يجعل العقد منفسخاً من تلقاء نفسه دون الحاجة الى اي اتفاق على الفسخ، ويتحلل الطرفين من التزاماتها ، ويعيدان الحال الى ما كانت عليه قبل التعاقد بدون ان يتحمل اي طرف مسؤولية عن عدم تنفيذه للعقد لان الظروف التي حدثت لم يكن بالامكان توقعها عند ابرام العقد، كمن اتفق مع تاجر بالجملة ان ينقل له شحنة من البضاعة من خارج العراق .
2- في حال ابرم العقد قبل الجائحة وبعد حدوثها اصبح تنفيذ العقد يؤدي الى خسارة فادحة تصيب المدين فان من حق المدين ان يُنقص من التزاماته او يزيد من حقوقه الى الحد المعقول الذي يزيل الارهاق عنه ، كالمستأجر لمحل في منطقة تجارية ذات بدل ايجار عالي.
3- في نفس الفرض وفي حال لم يؤد حدوث الجائحة الى الحاق خسارة فادحة بالمدين ولا استحالة بتنفيذ العقد ، فأن حدوث هذه الجائحة سيكون سببا قانونيا لتمديد مدة تنفيذ العقد المستمر باقتطاع المدة التي تعذر فيها على المدين تنفيذ التزامه ودون الحاجة الى اتفاق جديد بل يُعتبر ذلك متحققاً باعتبار حدوث الجائحة (قوة قاهرة)
وفي هذا الاطار اصدرت خلية الازمة العراقية برئاسة وزير الصحة قرارها المؤرخ 21 / 3 / 2020 قضت بالبند ( 12 ) منه ما يأتي :-
1- اعتبار فترة ازمة فايروس كورونا (قوة قاهرة) قاهرة لجميع المشاريع والعقود ابتداءا من ٢٠ / شباط / ٢٠٢٠ ولغاية اعلان وزارة الصحة انتهاء وباء كورونا
علما ان هذا القرار لن يشمل العقود التي انتهت مدة تنفيذها قبل 20 / 2 / 2020 ولو لم ينفذ المدين التزامه خلالها لان القرار لا يشمل الا العقود التي كانت مدد تنفيذها كلا او جزءا بعد 20 / 2 / 2020 .
وكذلك لا يشمل القرار العقود التي تبرم بعد 20 / 2 / 2020 ولو واجهت تحديات ومعضلات انتشار الفايروس لانها ابرمت في ظروف انتشار الفايروس ولا يحق للمتعاقد التمسك بها كـ ( قوة قاهرة ) ولا سبب للتمديد لانه يكون عالم بوجودها وقت ابرام العقد .
ورغم وجود شكوك حول صلاحية واختصاص خلية الازمة في اصدار مثل تلك القرارات ، الا ان مضمون قرارها قد يكون مقبولا وعادلا بشأن بعض العقود في حدود التمديد ما دامت بالشروط التي ذكرناها انفا.
4- اما اثر حدوث جائحة كورونا على سريان مدد الفوائد القانونية
فلتوضيح هذا الموضوع لابد من الاشارة اولا الى ان المدد تقسم الى مدد سقوط ومدد تقادم ، فالتقادم هو ان مرور الزمن على الحق المتنازع به يجعل من المطالبة القضائية معه ممتنعه إذا تمسك بذلك الأطراف، اما السقوط فهو مدة وضعها المشرع لممارسة حق ما وان انتهت ذهب الحق بدون أي اثر.
فاما بشأن مدد التقادم فأن الامر يسير بشأن معالجة الموضوع فيها اذ يعد انتشار الفايروس وتسببه بتعطيل الدوام الرسمي عذر شرعي يوقف مدة التقادم وفق المادة 435 من القانون المدني العراقي التي نصت على ان: (تقف المدة المقررة لعدم سماع الدعوى بالعذر الشرعي،......او ان يكون هناك مانع آخر يستحيل معه على المدعي ان يطالب بحقه ، 2- والمدة التي تمضي مع قيام العذر لا تعتبر)، وبما ان مدة حضر التجول وتعطيل الدوام الرسمي تعد فترة يستحيل بها على المدعي ان يطالبه بحقه ،لذا فانها توقف مدة التقادم ، وبالتالي تكون المدة بين (بدء اجراءات الحجر وحتى انتهاء اجراءات الحجر)غير معتبرة ، فيوقف حساب التقادم خلال تلك الفترة ،ونعود لاستئناف احتساب مدة مرور الزمان المانع من سماع الدعوى حال انتهائها.
اما بشان مدد السقوط كمدد الطعن القانونية فأن الامر يصعب بشأنها لعدم وجود نص صريح يمكن الاستناد اليه لايقافها مثلما هو موجود بشأن مدد التقادم ، لذا ستتفرق الاراء بشانها الى فريقين كل منهما يتبنى رايا من الرايين الاتيين:-
الرأي الاول:-سيذهب الى عد مدة حظر التجول وتعطيل الدوام الرسمي بمثابة عطلة رسمية ، ويطبق على مدد الطعن وعموم مدد السقوط احكام العطلة الرسمية ، وبالتالي فأن مدد السقوط ستستمر في احتسابها ولن يوقف مرورها ضد من ضربت لمصلحته رغم الحضر وتعطيل الدوام الرسمي ، انما سوف تمدد جميع مدد السقوط التي انتهت خلال التعطيل وحضر التجول ليوم عمل واحد فقط بعد انتهاء الحضر والتعطيل ، ثم تعد منقضية ويسقط معها سقوط الحق المتصل بها .
ويسند هذا الرأي بان مدد السقوط اذا بدأت فهي لا تقف ولا تنقطع الا بنص في القانون ولا يوجب في القانون العراقي نص على ذلك .
الرأي الثاني:-سيذهب الى تطبيق قواعد العدالة ويعتبر مدة حظر التجول وتعطيل الدوام الرسمي مدة توقف فيها جميع المدد سواء اكانت تقادم او سقوط
وفي كل الاحوال سيكون تكييف مدة التعطيل والحظر بسبب كورونا من اختصاص محكمة التمييز الاتحادية التي عليها ان تفصل في هذه المسألة غير المحسومة.
ونوصي بالاخذ بالرأي الثاني لان محكمة التمييز سبق ان اوقفت مدد الطعن القانونية بمناسبة تعطيل الدوام بسبب الغزو الامريكي للعراق عام 2003 ، ولا نرى ان الوضع الحالي مختلف كثيرا عما حصل عام 2003 .


قوة قاهرة ، ظرف استثنائي ، عقد مستمر


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع