مدونة د. ميثاق صادق محمود هزاع المليكي
نتائج فيروس كورنا المستجد (COVID-19) من منظور الآية 155 سورة البقرة
د.ميثاق صادق المليكي | Dr.Methaq sadeq Almuliki
11/04/2020 القراءات: 5334
معلوم أن القرآن الكريم بشكل عام صالح لكل مكان وزمان، فقد جعل الله العبرة فيه بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما يقول علماء الأصول، وهناك الكثير من الأدلة تثبت عموم لفظ القرآن إلا إذا ورد دليل على خصوصيته فمن الأدلة قول تعالى ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ﴾ [النساء: 11] فقد نزلت هذه الآية في بنات سعد بن الربيع وبقى حكمها عاما للأمة. وكذلك قوله تعالى ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ [البقرة: 155-157] فالآية تدل على العموم أي أن الله يبتلي ويختبر عبادة في أي زمان من الأزمة بالأوبية المميتة أو غيرها من الفيروسات، فالبلاء الذي وصلنا اليوم كله من الله يبلونا به كما نُبلى بالخير والشر، فالمولى عز وجل ما ابتلا عباده بهذا الفيروس المستجد إلا ليتبين الصادق من الكاذب، ولكي يُعرف مدى تحمل الإنسان على البلاء، وهذه سنة الله في خلقه، فالله عز وجل خلقنا لهذه الحياة للعبادة ومعرفته حق المعرفة، لم يخلقنا لأجل كسب مال ولا لأجل طعام وشراب ومتاع الدنيا بل للعبادة الموصلة للمعرفة الربانية قال تعالى ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56] فإذا ما بلغ الظلم ذروته إلى عنان السماء في هذه الأرض، وهتكت الحقوق وضيعت الأمانة وسفكت الدماء، ورفع المظلومون أيديهم إلى السماء يضع الله الاختبار ويرسل العلامات عسى ولعل يتعظ ويرجع الإنسان لخالقه، وها هي جائحة فيروس كورونا المستجد تعد نموذجا عالميا للشعوب المسلمة والكافرة، لم يأت من فراغ وبدون سبب، بل ولم يأت مما يُشاع ويُقال أن سببه هو أكل الصينيون للخفافيش والأفاعي، وإن ثبت ذلك بأن سببه أكل الخفافيش أو صنعوه بأيدهم لمحاربة أعدائهم، فهي أولاً وأخيراً إرادة الله وفعله قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الصافات: 96] فالله خلق الصيني وخلق فعله وصناعته وابداعه، ولكن بكل يقين وتأكيد أنه بسبب ما يحدث في هذا العالم من هتك لحرمة الدين وقتل للأنفس التي حرمها الله، وسلب للأموال بدون أي مراعاة لأوامر القرآن والسنة النبوية، قال تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ [الشورى: 30] إذا يبدو لكل عاقل أن هذا الفيروس المستجد اختبار من الله تبرز نتائجه إما إيجابية أو نتائج سلبية تفهم من قوله تعالى ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ [البقرة: 155-157] فما الذي توصلت له الشعوب بعد هذا الفيروس؟ غير الخوف والجوع ونقص في الأموال والأنفس والثمرات!!. ويجد الناظر لقوله تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ والْجُوعِ... أنه بعد ظهور هذا الفيروس أن الدول الإسلامية تصدرها القليل من الخوف والجوع، وليس الخوف ولا الجوع كله لأن من تفيد التبعيض، فلو أن الله ابتلانا بالخوف كله والجوع كله لهلكنا بلحظة واحدة فسبحانه جل شأنه، ثم قال جل شأنه (وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ) وها هي الأموال بمراتبها سواء كانت أمولا ورقية أو ذهبية أو معادن بترولية في أكبر الدول الغربية والإسلامية تنقص وتزول بالمليارات بل بالتريليونات، بسبب فيروس هو في أساسه قطرة أقل ألف مرة من شعرة الإنسان، سبحانه جل شأنه ثم قال ( وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ) بذهاب الأحباب من الأولاد والأقارب والأصحاب وها هو العالم اليوم على مسمع كل مؤمن وكافر يقتلون ويصابون به باليوم الواحد بالآلاف، وبكل تأكيد تهلك الثمرات والأشجار بهلاك الإنسان إذا فُقد الإنسان، فمن سيهتم بهذه الأشجار، وكل ذلك ابتلاءً وامتحانا من الله العلي القدير. فمن وفقه الله للصبر عند هذه المصائب وبقى صابرا محتسبا وعلم أن ما يدركه من الأجر بصبره أعظم من المصيبة التي حصلت له فقد صارت المصيبة نعمة في حقه وكانت نتيجته إيجابية قال تعالى: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ ولن تكون المصيبة نعمة في حقه إلا بالإكثار من قوله تعالى: ( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) ومن هنا تتحقق عليهم الرحمات من ربهم وأولئك هم المهتدون. أما من لم يوفق بالصبر على هذه المصيبة ويعترض على الله عز وجل فلسوف يكون من الخاسرين لرحمة الله وللهداية الربانية، وبلا شك ستكون نتيجته سلبية في الدنيا والآخرة... أسأل من الله الكريم وبجاه نبيه الوسيم أن يوفقنا للصبر والتوبة والاستغفار ويرزقنا رحمته وأن يجعلنا من الأخيار المهتدين وأن يعجل بالفرج على الإسلام والمسلمين.
نتائج / فيروس كورنا المستجد/ سورة البقرة آية 155
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة