مدونة أ. د. محمود أحمد درويش


موسوعة رشيد الجزء الأول التاريخ والاستحكامات الحربية (2)

أ. د. محمود أحمد درويش | Mahmoud Ahmed Darwish


20/10/2020 القراءات: 3702  


وكانت القلعة قد أهملت منذ القرن الثامن عشر وسقطت أجزاء كثيرة منها، فقد أكد جولوا (Jollios) أنه عند قدومه أثناء الحملة الفرنسية مر على أنقاض حصن مهجور، و أنه بعد تحطيم الأسطول الفرنسي في موقعة أبى قير قرر الجيش الفرنسي تنظيم الحصون الدفاعية على الشواطئ ووضع حاميات بها، فأعيد بناء حصن رشيد، وأطلق الفرنسيون عليه اسم قلعة جوليان (Jullien).
وتم الاستناد على مخططات المجلس الأعلى للآثار، فقبل عام (1985) لم تكن معالم القلعة واضحة بما يكفى لدراسة عناصرها المعمارية، وسبق أن خرجت بعض المخططات والرسوم التوضيحية وقد ظهرت بها بعض العناصر التي أمكن الاستفادة منها أثناء البحث وأثناء الحفائر.
وأول هـذه الرسوم ما يوضح القلعة من اتجاه الشرق حيث تظهر بعض عناصرها، وهناك رسم آخر تظهر فيه القلعة بشكل مستطيل ويقع المدخل في الجنوب وفى الأركان تقع الأبراج الأربعة وهى دائرية تحيط بها أبراج شبه مربعة، وفى وسط القلعة أطلال مخازن وجامع ومئذنة، وهناك مخططان للقلعة الأول يوضح المخطط المستطيل وفى الأركان أبراج دائرية يحيط بها أبراج مربعة، وفى الوسط بقايا حواصل متخربة بهـا دورة مياه ومسجد.
أما المخطط الثاني فهو غير منتظم وتتخذ الأبراج فيه شكلا أقرب إلى الواقع، كما أن هناك رسما للواجهة القبلية يظهر به البرج الجنوبي الغربي وبعض مزاغل بالواجهة والمدخل، كذلك الواجهة الغربية المتهدمة، والواجهة البحرية وتظهر بها آثار البرجين الشمالي الشرقي والشمالي الغربي، وهناك رسم يبين قطاعا بالبرج الجنوبي الغربي وقطاعا رأسيا في البرج الداخلي.
وتعد الدراسة التاريخية لرشيد واستحكاماتها الحربية المصدر الثالث: حيث كان لموقع رشيد (بولبتين) على البحر المتوسط ومدخل نهر النيل أثر كبير في زيادة الاهتمام بتحصينها منذ عصر الدولة الحديثة (1575-1085ق.م)، ففي عصـر الأسرة التاسعة عشر (1308-1186ق.م) قام الملك منفتاح ببناء تحصينات في رشيد للدفاع عن البلاد ضد هجمات القراصنة في المدة من (1214:1224ق.م). وهذا يوضح الخطر الذي كانت تتعرض له الحدود الغربية والسواحل المصرية منذ السنوات الأولى للأسرة (19).
وقام رمسيس الثاني ببناء تحصينات على طول شواطئ البحر المتوسط، كما أقام بسماتيك الأول مؤسس الأسرة (26) معسكرا برشيد عام (663ق.م) كان يضم الميليزيين من سكان بعض جزر اليونان وغيرهم من القوات المرتزقة التي استخدمها في جيش مصر. وعندما غزا الإسكندر مصر وقام ببناء مدينة الإسكندرية (331ق.م)، كانت بولبتين سوقا رائجة، واستمرت بها صناعة العجلات الحربية، وكان بها معبد كبير (معبد بولبتينوم) يضم نسخة من القرار الذي أصدره مجمع الكهنة للملك بطليموس الخامس عام 196ق.م (حجر رشيد)، ولكنها بدأت في الاضمحلال بعد بناء الإسكندرية وتحول التجـارة إلى الفرع الكانوبي، واستمرت حتى الفتح العربي تمثل نطاقا مسيحيا.
وذكرت المصادر أن عمرو بن العاص بعد أن فتح مدينة الإسكندرية عقد صلحا مع صاحب رشيد، وقد أولى اهتمامه بالثغور والسواحل خشية مهاجمتها من قبل البيزنطيين. وعندما قامت الدولة العباسية كان الخطر البيزنطي لا يزال يهدد الدولة، فأمر المتوكل العباسي واليه عنبسة بن إسحق ببناء مجموعة من الربط عام 239هـ (853م)، وقد نشأت المدينة نشأة حربية في عهد أحمد بن طولون (256هـ/870م) على أطلال مدينة بولبتين وقريبا من الرباط.
واستمر التهديد الخارجي لرشيد طوال العصر المملوكي عندما استولى المغول على بغداد عام 656هـ (1258م)، ودخلت دولة المماليك المعركة ضد الصليبيين والمغول منذ عهد بيبرس عام 671هـ (1272م)، وأنشئ بها منار عمره الظاهر بيبرس، وبأسفله برج عمره صلاح الدين بن عرام، وأغار الفرنج على رشيد في عهد الظاهر أبو سعيد جقمق عام 841هـ (1438م)، مما دفعه في عام (845-857م) إلى تزويد المدينة بالجنود لحمايتها، ومن ثم صارت مجرد ثغر حربي.
كما ازدادت قوة الأتراك العثمانيين الذين بدأت المصادمات بينهم وبين المماليك تتخذ شكلا خطيرا خاصة في عهد السلطان قايتباي الذي أولى الثغور اهتماما بالغا، واعتاد على زيارتها لتفقد القلاع والحصون، وأنشأ عام 876هـ (1472م) برجه برشيد، ومثيلا له بالإسكندرية، كما أمر السلطان الغوري بإنشاء سور على ساحل البحر وأبراج لحفظ الثغر.
ولم يهتم العثمانيون بإنشاء الاستحكامات في رشيد، حيث ساهمت الترسيبات التي تمت في هذه الفترة في إبعاد القلعة كثيرا عن البوغاز، فقد ذكرت المصادر أن السلطان سليم أصدر أمرا في عام (1517م) بنقل جبال الأنقاض التي كانت تهدد القاهرة وبقية مدن مصر برا ونهرا إلى مصبات النيل. وقلت الوظيفة الحربية للقلعة في حين كانت مقرا لحامية المدينة فقط. وكانوا يبيتون في الليل داخلها ويكسبون أقواتهم نهارا في مدينة رشيد.
وعندما قدم الفرنسيون إلى مصر اهتموا بتحصين القلعة بعد هزيمتهم في أبي قير (1799) خشية أن يدخل الأسطول الإنجليزي إلى فرع رشيد، وقاموا بتجديدها وتعديل عناصرها الحربية، وأشرف على هذه الأعمال الجنرال بوشار الذي عثر على الحجر الذي عرف بحجر رشيد.


رشيد - الاستحكامات الحربية - الحملة البريطانية - العصر المملوكي - عصر محمد علي


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع