الأحداث والمجازر المؤلمة على غزة
د. أسماء صالح العامر | Asma saleh Al amer
19/10/2023 القراءات: 1858
في ظلّ هذه الأحداث المؤلمة التي نشهد فيها المجازر المروّعة على إخواننا في غزة، نفزعُ مباشرةً إلى التأمل في الحالات المشابهة التي قصّها الله سبحانه وتعالى علينا في القرآن، ثم نتلمّس توجيهات الله تعالى للمؤمنين الذين مروا بمثل هذه الحالات؛ فنستهدي بأنوارها ونسير على ضوئها.
ومن أبرز الأحداث المؤلمة التي وقعت في زمن النبي ﷺ: أحداث معركة أُحُد، والتي أنزل الله فيها قرابة ستين آية، كان فيها الدواء لقلوب المؤمنين بعد ذلك المصاب الجلل، وكان فيها بيان حكمة الله في مثل هذه الأقدار المؤلمة.
فأحداث يوم أُحُد كانت شديدة الألم على أصحاب رسول الله ﷺ واجتمعت فيها الغموم عليهم، ولك أن تتخيل منظر عمّ رسول الله مجندلاً مقتولاً قد بُقرت بطنه واستخرجت كبده وظهرت أحشاؤه،
والأشد من ذلك أن وجه النبي ﷺ أصيب وسالت دماؤه، وشُجّ رأسه وكُسِرت رباعيته، وكان أشد شيء على أصحاب رسول الله في ذلك اليوم هو إشاعة خبر مقتله، ولكم أن تتخيلوا وقع ذلك عليهم؛ أن يُراق دمُ نبيّهم، خاصة بعد أن تسبب مجموعة منهم بذلك بسبب عصيانهم أمره.
حسناً، كيف واساهم الله بعد كلّ ذلك وعالج نفوسهم؟ وإلى أيّ شيء وجههم؟
أولاً: التفكر في سنن الله في الأمم السابقة، وذلك في قوله: ﴿قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين﴾ والمعنى أنّ ما جرى على الصحابة ليس بخارجٍ عن نظام الله المعتاد في الصراع بين الحق والباطل، وذلك أنه لا يعجل بنصر المؤمنين وإنما يبتليهم ثم ينصرهم، ولذلك قال لهم بعدها: ﴿وتلك الأيام نداولها بين الناس﴾ والمعنى: أن ما جرى عليكم يوم أُحد هو داخل في سنّة المداولة ولكن العاقبة على المكذبين شديدة.
٢- التنبّه للحكم التي يجعلها الله في هذه المصائب والآلام، وقد بيّنها سبحانه بقوله في نفس الاية:
أ- ﴿وليعلم الذين آمنوا﴾: هذه حكمة التمييز بين الصادق والكاذب في إيمانه، لأن التمييز لا يكون إلا بالشدائد.
ب- ﴿ويتخذ منكم شهداء﴾: هذه حكمةٌ أخرى يبيّن الله فيها محبّته بأن يصطفي من عباده من يُقتَل في سبيله، مقدّماً مرضاة الله على نفسه.
ج- ﴿وليمحص الله الذين آمنوا﴾: هذه حكمة التصفية والتنقية للقلوب من الذنوب والتصورات الخاطئة، والتي لا تتحقق بدون هذه الآلام الشديدة، وهذا ما نلاحظه اليوم في أزمة غزة حيث نرى كثيراً من الناس نُقُّوا -فيما نحسب- من الأدران ومسالك الشهوات -والذنوب إن شاء الله- وتوجهت قلوبهم إلى الله.
د- ﴿ويَمحق الكافرين﴾: أي أن هذا التسلط من أعداء الله على المؤمنين سبب في نزول عذاب الله عليهم، لأنهم بَغَوا وأسرفوا وتكبّروا وتجبّروا، فكلما ازدادوا طغيانا ازدادوا استحقاقا للعذاب الدنيوي قبل الأخروي.
٣- الاقتداء بأحوال المؤمنين السابقين الثابتين عند الشدائد، وذلك في قوله سبحانه: ﴿وكأيّن من نبي قاتل معه ربيّون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين﴾
فالله يقول لأصحاب نبيّه هنا: عليكم أن تقتدوا بالأنبياء وأصحابهم ممن كانوا قبلكم ممن أصيبوا كما أُصبتم فما وهنوا وما ضعفوا وما استكانوا.
٤- الأمر المباشر بعدم الانهزام النفسي وعدم الذل والحزن، وذلك لمعنى الاعتزاز بأساس الإيمان والعقيدة، وذلك في قوله: ﴿ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين﴾
٥- الإيمان بالقدر، وأنه لم يكن يغني عن وقوعه شيء، وذلك في قوله سبحانه وتعالى محذرا المؤمنين من قول الكفار: ﴿لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ﴾ فهذا يؤدي إلى الحسرة كما قال سبحانه: (ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم﴾ أي بسبب ضعف إيمانهم بالقدر وظنّهم أن تدبيرهم هو العاصم لهم، ثم قال سبحانه: ﴿والله يحيي ويميت﴾ وفي ذلك إرجاعٌ لهم إلى حقيقة أن النفوس بيد الله وأنه هو الذي يقدّر الأقدار.
٦- توجيههم إلى إحسان الظن بالله، وتحذيرهم من ظن الجاهلية المتضمن للتشاؤم بأن هذا الدين سينتهي وأن المصائب هي القاضية، وإنما وجههم إلى إحسان الظن المتضمن أن الله ينصر دينه ويعلي كلمته.
هذه من أبرز الوصايا التي ذكرها الله في سورة آل عمران توجيهاً للمؤمنين بعد أحداث يوم أُحُد.
والمتأمل في أحداث غزة وسوريا وغيرها اليوم وما يُتَوقع من أحداث الغد المؤلمة، ثم يتأمل في توجيهات الوحي بفقه عميق؛ يدرك مقدار الاحتياج للاعتصام بوحي الله والاستهداء به والانطلاق من خلاله؛ ففيه الدواء والهداية والبصيرة والنور والقوة والعزة والبركة.
غزة- مجازر- أحداث
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع