البنى المؤثرة في التصوير الاسلامي:
د.صبا قيس الياسري | DR.SABA QAIS ALYASIRI
12/10/2021 القراءات: 3089
من كتابي جمالية الاشكال المتخيلة والمركبة في مخطوطة القزويني
تعد المرحلة الممتدة من القرن 7ه الى القرن 11ه وما بعده مرحلة مزدحمة بالاحداث التي غيرت في ظروف وملامح المنطقة وحملت الكثير من الاثار التي انعكست في ميادين المجتمع كافة ، فقد حصلت عمليات إنتقال كبيرة للثقافة والفنون نتيجة المتغيرات الإجتماعية ، الأمر الذي أدى الى بروز مظاهر تقارب واسعة بين الثقافات المحلية للاقاليم الاسلامية الاصلية والثقافات الوافدة . و مما لاشك فيه أن ما تشكله العوامل السياسية ، والعسكرية ، والدينية ، والاقتصادية ، والاجتماعية، تهيئ إسهاماً واضحاً في نشاط الحركة الفكرية، من حيث الإبداع والتجديد ذلك أنْ " تاثير الأحوال السياسية ، وسيطرة أقوام غريبة على الدولة العربية ، و الاسلامية ، كان سببا في أنتشار أنواع محددة من الفنون وازدهارها تبعا لارضاء ذوق الطبقة الحاكمة الجديدة، ويعد ذلك من المتغيرات التي تفرضها نظم الحياة السياسية على صورة متغيرات في نظم التعامل بين المجتمعات المختلفة ، وبخاصة من الناحية السياسية"؛ إذ أنّ العامل السياسي كان مؤثرا حيويا على النتاجات الفنية من أعمال الرسم في المخطوطات العلمية والادبية تحديدا باعتبارها من الفنون التي تنشأ وتتطور وترتقي في ظلال الأهتمام والرعاية التي يغدقها الحكام ، والسياسيون على العلوم الآداب والفنون. عاش العراق ظروفا اقتصادية واجتماعية وسياسية تختلف عن باقي البلد العربية والإسلامية ، فالعراق بلد يعدّ إنمـوذجا لاختـلاف و تعدد الاجناس والاعراق والديانات والمذاهب وهو مثال في تقلب الحوادث التاريخية في المنطقة العربية و الإسلامية، نظرا لما تضمنته مسيرته التاريخية من تنوع في الأحداث السياسية وماعاناه أهله من غزوات وحروب وتدخلات أجنبية واحتلالات طويلة الأمد وكذلك الصراعات الداخلية ، والاختلافات العرقية والدينية، وكذلك تنوع ظروف البيئة المحلية ، و تعدد الأنماط الاجتماعية الناجمةعن اختلاف و تنوع المذاهب والقوميات ، فمن المعروف أنْ العراق لطالما شهد تنوعا و تبدلا تاريخيا. ويرجع هذا التنوع التاريخي إلى كثرة دخول الأجناس والاعراق المختلفة في الدين الإسلامي نتيجة الفتوحات الإسلامية التي شملت مجتمعات غير عربية من خارج الجزيرة العربية ،لكن هذه المجتمعات استطاعت أنْ تسخر فنونها لخدمة التوجهات الفكرية والجمالية النابعة من الفكر الاسلامي ذو الرؤية الانسانية والكونية الشاملة, إذ استطاعت الكثير من الشعوب أنْ تصون فنونها الخاصة وابداعاتها من دون أنْ تتعارض مع توجهات الدين ، أو الدولة الإسلامية ، وذلك حفاظا على معتقداتها الدينية و ثقافتها الفكرية الخاصة. و المناطق العربية التي كانت تحت السيطرة الساسانية والبيزنطية كانت خير دليل على اتباع هذا النهج في الحفاظ على تراثها الفكري، " فبعد الفتوحات الكبيرة التي فتحها العرب في عهد الخلفاء الراشدين و الدولة الاموية ، و إندماج الأمة العربية مع غيرها من الأمم المختلفة المتسمة بالعمران القديم ، نتجت عنه حالة اجتماعية، خلقت تنوعاً في طبقات المجتمع ، ". فكأن هذه الجماعات لم تدخل في نطاق الدولة العربية الإسلامية حتى أخذت عناصرها المختلفة تمتزج بالعنصر العربي امتزاجا قويا ، فاذا بنا ازاء امة عربية تتألف من أجناس مختلفة ، وقد مضت هذه الأجناس تنصهر في الوعاء العربي حتى غدت كأنها جنس واحد " فوجد العرب انفسهم ملزمين بتقبل الكثير من اوجه السلوك الاجتماعي الوافد اليهم من الثقافات الاخرى ، عن طريق التشذيب والتعديل والتحوير و التغيير في حدود هذه السلوكيات تبعا لثقافاتهم ومبلغ تطورهم ، وفي ذلك مسايرة للتطور و الاوضاع المستحدثة . كل ذلك جعل المناخ السياسي في العراق متقلبا جدا، وتعد مرحلة الغزو المغولي وسقوط بغداد سنة (656ه) من اكثر المراحل تقلبا وعدم استقرار ,حملت تاثيرات متنوعة وكثيرة ظلت منعكسة على انشطة الحياة و لفترات طويلة ، و بالطبع فان الفن هو احد الانشطة المهمة للانسان التي انعكست فيها مظاهر الازدهار والتطور أو النكوص و التدهور . مع قدوم المغول تغيرت الامور كثيرا نتيجة اسلوب سياستهم فابن الاثير يقول اقبل المغول " من المشرق ، ففعلوا الافعال التي يستعظمها كل من سمع بها " ، فكان" لدخول المغول إلى بغداد أثر سلبي على الأهالي و الممتلكات ، فقد احرقت المكتبات و محتوياتها من المؤلفات الثـمنية ، وحولت مدنها و قراها إلى خرائب ، وقد دام حكمهم سنوات طويلة لحوالي ثمانون عاما " ، ولكن اثرهم استمر لفترة اطول من فترة حكمهم بكثير نتيجة الى انهم فتحو الباب امام اقوام اجنبية اخرى لغزو بغداد التي تعد كانت تعد أهم مركز ثقافي واسلامي في الشرق، فبقيت الاحوال السياسية و الاجتماعية غير مستقرة ، ولم تكن العامة من الافراد الكادحة او الطبقة المثقفة على وفاق مع الحكام المغول واتباعهم . فالمغول عند اهل العراق لا يعدَون حكاماً عرباً مسلمين ، رغم أن بعض خلفائهم دخلوا الإسلام ، لكن بقيت الصلة بين الطرفين غير متوافقة . وحتى بانزياح المغول كان على بغداد ان تواجه الأوضاع السلبية ، السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية ، فقد أودى الصراع بحياة عدد كبير من الناس،" وتسبب في تهجير أصحاب الخبرات العلمية والفنية والحرفيـة إلى بلاد ما وراء النهر، ورافقت ذلك الاضطرابات الكبيرة، وتدهور النشـاطات الاقتصادية و الفكرية و الفنية و العمرانية ". ورغم التدهور و التخريب الذي رافق فترات حكم المغول وما بعدهم ، إلا ان هذا الدخول الاجنبي و المتنوع الى بغداد حمل بعض النتائج الايجابية من حيث تداخل الثقافات و تبادل المعارف و الفنون ، إذ ما كان بالإمكان أن يفرض ذوق او مستوى معين من الثقافة من دون ان يكون صادراً من مركز إداري مركزي متقدم فبدأت تظهر الاشكال والملامح والازياء السلجوقية و الملامح المغولية في النقوش و التصوير حتى ظهرت مدارس بالتصوير عناوينها هي ذلك المؤثر كالمدرسة السلجوقية و المدرسة التيمورية.
البنى ، الفن الاسلامي ، التصوير