مدونة الشاعر والناقد عبد الله هريدي


الأدب بين إمتاع الأسماع وتقويم الطباع - جزء2

عبد الله رمضان خلف مرسي | Abdullah Ramadan Khalaf Morsy


18/12/2020 القراءات: 4456  


قال الشعراء عن الأدب والأدباء
يأسى أبو تمام حبيب بن أوس الطائي على حال الأدباء في زمان علا فيه شأن الدهماء، وتراجع الاهتمام بالنجباء والعلماء والأدباء؛ فيقول:
أَرَى الحشوَ والدَّهْماءَ أضحوا كأنَّهمْ *** شعوبٌ تلاقَتْ دوننا وقبائلُ
غَدَوا وكأنَّ الجهلَ يجمعُهمْ بهِ *** أبٌ وذَوو الآدابِ فيهم نوافلُ(12)
وقال الحميدي: حضر عقيل بن نصر مجلسًا فيه أحداث من الكتاب، فاختلفوا في شيء من الآداب إلى أن أفضى بهم ذلك إلى السباب، فقال عقيل على البديهة، وأنشدنيها بعض الرؤساء ولم يعلم قائلها:
تعس الزمان لقد أتى بعجائبٍ *** ومحا رسوم الفضل والآدابِ
وأتى بكتابٍ لو انبسطت يدي *** فيهم رددتهمُ إلى الكتابِ(13)
وقال شاعر يذم بخيلا، فيعيب عليه بخله ويعيب عليه كذلك عدم روايته من الآداب شيئًا، وكأن الافتقار إلى رواية الآداب يتساوى مع البخل وغيره من مساوئ الأخلاق، بل إن هذا البخيل لو روى شيئًا من الآداب فلا يروي إلا ما يعضد أخلاقه الذميمة:
يـحصّنُ زَاده عن كلِّ ضرسٍ ولا يَـرْوِي مـن الآدابِ شيئًا قـلـيـلُ المالِ تُصْلِحُهُ iiفيبقى
ويُـعْـمِلُ ضِرْسَهُ في كلِّ زادِ سـوى بـيتٍ لأبرَهَةَ الإيادي ولا يبقى الكثيرُ مع الفسادِ(14)
وقال كشاجم مادحًا رجلا بكمال الآداب والمكرمات.
يا كاملَ الآدابِ مُنفردَ العلا *** والمكرمات ويا كثير الحاسدِ
شَخَصَ الأنامُ إلى كمالك فاستعذ *** من شر أعينهم بعيبٍ واحدِ
ويمتدح ابن النقيب ملح الآداب ولا يرى شيئًا يضاهي حسنها وبهاءها.
وللقريضِ فكاهاتٌ يرنّ بها *** طيرُ البيانِ إِذا ما عزَّ مِرْنانُ
يا حبّذا ملحُ الآدابِ من مُلَحٍ *** فكلُّها رقّةٌ حسنٌ وإِحسانُ
ويتحدث ابن طبا طبا العلوي عن "شموس الآداب" بوصف رائق أخاذ فيقول.
شموسٌ مِن الآداب تَطلع في الدُجى *** وَتُلقي عَلى أُفق الضَمير شُعاعَها
مَعانٍ تَوافَت في ضَمير كَأَنَّها *** أَمانيُّ قَد صادَفَت مِنها اجتِماعَها
وقال آخر مادحًا العلم والأدب ومبينًا فضلهما على سائر الأفضال وقدرهما على باقي الأقدار.
من كان مفتخرًا بالمال والنسبِ *** فإنما فخرنا بالعلم والأدبِ
لا خير في رجل حر بلا أدب *** لا لا.. وإن كان منسوبا إلى العربِ(15 )

وبعد.. فالأدب الأصيل له وظيفة، لا تقتصر على الإمتاع فقط؛ بل تتعداه إلى التأثير في السلوك والطباع، والأفكار والمعتقدات؛ فكم من فكرة طارت بها قصيدة، وكم من حكمة انطلق بها مثل سائر وقول صادر.

وكل الأمم تحمل حكمتها وخبرتها وثقافتها في آدابها؛ لذلك لا يجوز أن نقف كثيرًا عند التوجهات التي تجرد الأدب والفن من الفكرة بدعوى أن الأدب للأدب أو الفن للفن؛ فالأدب بدون فكر محض تهاويم ليس لها أرض ثابتة تقف عليها، وغيوم لا طائل من ورائها، والفكرة دون بلاغة أخاذة وخيال جامح وعاطفة مشبوبة محض كلام لا يختلف كثيرًا عن لغة العوام أو صياغات العلماء التي تهتم بدقة المعلومة على حساب رقة العبارة وهيئتها الإبداعية.
المراجع:
1. تاج العروس من جواهر القاموس – محمد مرتضى الحسيني الزبيدي – تحقيق: علي هلالي – ط2 (مطبعة حكومة الكويت – دولة الكويت – سنة 2004م) ج 2/ 14 (مادة: أدب<>
2. انظر: المحيط في اللغة – الصاحب بن عباد – تحقيق: محمد حسن آل ياسين – (دار عالم الكتب - بيروت) (مادة أدب).
3. انظر: لسان العرب – ابن منظور (دار المعارف – القاهرة) (مادة: أدب).
4. تاريخ الآداب العربية في القرن التاسع عشر وفي الربع الأول من القرن العشرين – لويس شيخو (دار المشرق – بيروت) (مقدمة الكتاب).
5. البيان والتبيين – الجاحظ – تحقيق: فوزي عطوي (دار صعب - بيروت) ج1/91.
6. أدب المجالسة – يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري - تحقيق: سمير حلبي – ط 1 (دار الصحابة للتراث – طنطا – جمهورية مصر العربية) ج1/107.
7. الأمالي في لغة العرب – أبو علي إسماعيل بن القاسم القالي البغدادي (دار الكتب العلمية – بيروت – سنة 1978م) ج1/253.
8. انظر: الموشى أو الظرف والظرفاء – أبو الطيب محمد بن إسحق بن يحيى الوشاء – تحقيق: كمال مصطفى (مكتبة الخانجي للطباعة والنشر والتوزيع - القاهرة – سنة 1993م).
9. بهجة المجالس وأنس المجالس وشحن الذاهن والهاجس – ابن عبد البر القرطبي – تحقيق: محمد مرسي الخولي (دار الكتب العلمية - بيروت) (مقدمة المؤلف).
10. السابق.
11. السابق.
12. الحماسة المغربية – أبو العباس أحمد بن عبد السلام الجراوي – تحقيق: محمد رضوان الداية – ط1 (دار الفكر المعاصر – بيروت – سنة 1991م) ج1/376.
13. انظر: بدائع البدائه لابن ظافر الأزدي – والأبيات لأبي العيناء الإخباري قالها في هجاء كاتب يدعى أسد بن جوهر، انظر: معجم الأدباء لياقوت الحموي – دار الكتب العلمية سنة 1991م، 5/407.
14. ديوان المعاني – أبو هلال العسكري (دار الجيل - بيروت) ج1/186.
15. معجم الأدباء - ج1/ص45.


الأدب، إمتاع، الأسماع، الشعر، النثر


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع