مدونة الدكتور محمد ماهر محمد السيد عبيد


التطرُّف والغُلوُّ فى الدين

بروفيسور د . محمد ماهر محمد السيد عبيد | Prof Mohamed Maher Mohamed alsayed


22/02/2021 القراءات: 4239  


إنَّ سوء الفهم للنص الشرعي يؤدي إلى عواقب وخيمة تودي بالمرء إلى الجحيم , وذلك دأب الشيطان في تزيينه الغلو والإفراط في التطرف الديني حتى يفسد على الصالح دينه , إنَّ التزام الرَّأي الشخصي يؤدي إلى التطرف الديني عندما يكون ذلك الرَّأي نابعًا ممَّن لا دراية له ولا علم، وليس له فهم يُعينه على تقصي مقاصد الأمور وفهم معانيها. لا شك أنَّ عدم الرجوع إلى القواعد الشرعية في المسائل من شأنه أن يولد التطرف الديني وبالتَّالي التشديد والتضييق في الأحكام وتوسيع دائرة الحرام، وبهذا يُخالف الرَّجل علماء السَّلف الذين كانوا لا يطلقون الحرام على أمرٍ إلا ما عُرف أنَّه حرامٌ معرفةً قاطعةً. ومن أهم عوامل التطرف الدينى عدم احترام العلماء ؛ لأنَّهم هم أهل العلم ورجاله الثقات، فتتولد قلة احترام العلماء عند المتطرفين من اعتقادهم أنَّهم هم أفضل من العلماء، وكذلك فإنَّهم لا يقبَلون من العلماء أن يعارضوهم في آرائهم ولا يقبلون الحوار أو المناظرة كذلك، وكثير من أولئك المتطرفين لم يتلقوا علمهم عند علماء معروفين، بل أخذوا شيئًا من بعض العلوم من الكتب، فبذلك يسيئون الفهم من دون أن يدروا, نسمع خطب المتطرفين ونقرأ ما يكتبون فنجدها مملوءة بالنصوص الشرعية ونعوذ بالله من الإيمان ببعض الكتاب وترك بعضه الآخر، ونجد في هذا العصر أننا نصطلي بنار التطرف ويُلتقط أولادنا من حولنا ولا نعلم حتى يختطفوا منا، فيتحول الابن المطيع البار إلى شخص آخر بعيد كل البعد عما كان عليه. ومن جانب اخر نرى أننا نمر بمرحلة حساسة وخطيرة لم يستطع فيها الأعداء النفاذ إلا عبر التطرف فاستغلوه ذلك في العالم الإسلامي لمدة قرون مضت، فأضر ذلك بالإسلام والمسلمين والدعوة الإسلامية، وأيضاً من أخطر ما يواجهنا اليوم هي سبل التدمير عبر الشائعات وتدمير المجتمع في وسائل التواصل الاجتماعي، والمسلمون لا ينقصهم العلم والمعرفة وإنما نشر وتوظيف هذه المعرفة في تنمية الفكر عند الشباب . إنَّ الضَّعف الواضح في المناهج التعليمية في الشرع الإسلامي يؤدي - وبصورة خطيرة- إلى زلل القدم نحو التطرف؛ لأنَّ المرء الذي لم يتعلم في الكتب الإسلامية معنى الكفر والشرك بالله، والنفاق والجاهلية، والفرق بين الشرك الأكبر والشرك الأصغر، وما معنى الإيمان، وعلى ماذا يقوم، وما معنى الإيمان المطلق، وما الفرق بين الإسلام الكامل ومجرد الإسلام، وغيرها من الأسرار الشرعيّة واللغويّة التي إن لم يتعلمها فإنّه يضيع في إسقاط حكمه على الآخرين،ولوقع فريسة سهلة فى أيدى عصابات التطرف, ولاتَّجه النَّاس في إطلاق الأحكام على بعضهم بعضًا دون بصيرة أو نور يهتدون به، ومن هنا لا بدَّ من شرح تلك المفاهيم شرحًا مفصلًا يُزال به كل التباس أو غشاوة . إنَّ الدين الإسلامي دين وسط لا إفراط فيه ولا تفريط، ولا يعرف التطرف ولا الغلو، بل هو دين السلام والسماحة واليسر، قال تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) (سورة البقرة آية: 143) , فبالوسطية بُعث نبينا ــ صلى الله عليه وسلم ــ وعليها ربى أصحابه، الذين حملوا هديه، فأناروا العالم، وملكوا القلوب قبل أن يملكوا البلاد, ونتيجة لهذه السمات التي تميز بها ديننا كان بطبعه يرفض التطرف والغلو الذي يُعد منهجًا غريبًا عنه، فالغلو ليس من الإسلام في شيء، وليس من شأن المسلم الحق، وإنما تعود بذرته الأولى إلى بعض الجهلة والغوغائية، وكان ضحيتهم بعض الغيورين والمندفعين من الشباب الغر، الذين انخدعوا بزيفهم، وكانوا بذلك معاول هدم، وحُكِم على الإسلام من خلال سلوكهم بأنه دين إرهاب، يميل إلى العنف، ويهوى التخريب، وسفك الدماء, إنَّ الغلو يتضمن الاعتراض على الله تعالى في تشريعه وحكمه، كما يتضمن تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم، وكأن المتطرف يقول للمشرع: لم تحسن التشريع، ويقول للمبلغ: لم تبلغ حق البلاغ، فالمتطرف معاند ومشاقق لله ولرسوله، وهذا غاية الانحراف؛ فإن الشريعة جاءت كاملة لا تحتمل زيادة ولا نقصانًا، كان الإمام مالك يقول: من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدًا خان الرسالة , في الواقع لا تشابه إطلاقًا بين التمسك الواعي بالنصوص وبين الغلو، فالصحابة والسلف الأول كانوا أبعد الناس عن الغلو والتشدد، إلا ما كان من بعض آحادهم في حالات فردية، شاء الله أن تقع لتكون نماذج تعليمية إرشادية، يرشد النبي وصحابته من خلالها الأمة إلى ترك الغلو، والتحذير من التنطع وأهله . الغلو قديم بقدم البشرية، فهو نزعة متطرفة متأصلة بين كافة أتباع الشرائع، فلا يكاد يوجد دين من الأديان إلا وبين أتباعه جماعات متطرفة تغالي في الدين . ومن أهم أسباب الغلو ضعف البصيرة بحقيقة الدين، وعدم التعمق في فقهه، وعدم الإحاطة بأسراره ومقاصده، والتمسك بالمظاهر وجعلها المقياس الوحيد لتدين الفرد من عدمه، وغالبًا ما يكون هذا الجهل شائعًا بين أنصاف المتعلمين، أو من تلقوا العلم بالدين عن مصادر تصدر الغلو والتطرف، أو ممن تغذوا على الثقافات المعادية للدين. إن السلف الأول في الجملة كانوا من أبعد الناس عن الغلو والتطرف، ومع ذلك كانوا من أشد الناس تمسكًا ووقوفًا عند حدود النص؛ لأنهم كانوا ينطلقون في تدينهم من علم صحيح، وفهم واعِ، وإدراك بصير لأهداف الدين ومراميه . لذلك يجب فهم الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة ,الفهم الصحيح وهو الذى بلا إفراط والتفريط .ولقد تركنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم على المحاجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك .نسأل الله تعالى أن يُفقِّهنا فى الدين ويُعَلِّمنا التأويل إنه ولِىُّ ذلك والقادر عليه .


التطرف والغلو فى الدين


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع


نفع الله بكم وزادكم علما وعملا


جزاكم الله خيرا أستاذنا الدكتور عصام مشاحيت


جزاكم الله كل خير