مدونة الأستاذة الدكتورة / إيمان الجمل


ضرورات تعليم النقد الأدبي

إيمان السيد أحمد الجمل | eman elsayd ahmad el gamal


04/01/2022 القراءات: 2702  


النقد الأدبيِّ وضرورات التعليم
بات من الضرورات الملحة في ظل الحاجة الشديدة إلى تنشئة الطالب على استقلاليِّة الرأي وعدم التبعيِّة المدمرة للثقافة والحريِّة والإبداع كما هي مدمرة للأوضاع السياسيِّة والاقتصاديِّة والدينيِّة . فمن الأمور المسلم بها الآن تغير النظرة إلى موقف الإنسان من الحياة بحيث يجب عليه اتخاذ مواقف إيجابيِّة تنهض لأن تجعل منه إنسانا له شخصيته وهويته التي يتفرد بها ويحافظ عبها على هذا التفرد في ظلال أمواج من التحدي والطوفان المتلاحق لطمس الهويات وإذابتها. من أجل هذا توجب تعويد الطالب أن يعمل عقله في كل ما يعرض عليه من علوم ويقدم رأيه دون شعور بالصغار أو انعدام الرؤية . هنا تأتي ضرورة تعليم النقد الأدبيِّ التي تأخذ منهجيِّة لها بدايات وصولًا إلى الغايات التي تبدأ أولًا بتكوين الشخصية الناقدة من الصغر وهي ما نسميه التعليم الناقد بصورة موسعة لتشمل جميع ما يمكن ان يتلقاه الطالب من معارف ومواقف حياتيِّة وثقافات . وتتجلى هذه الضرورة عند "البحيريِّ" حيث يرى أن: «الاهتمام العالمي بموضوع التفكير الناقد منذ منتصف القرن العشرين الماضي، حيث ظهرت الدعوات إلى التربية الناقدة، والتعلم الناقد، لأنه من وجهة نظر كثير من التربويين يسهم في جعل الطالب أكثر دقة ووعياً بشئون الحياة، وبالتالي أكثر قدرة على الدفاع عن وجهة نظره. وكذا حماية للطالب من التجريف الإعلامي. ومنذ نهاية القرن العشرين، أصبح التفكير الناقد سمة أساسية للفرد المتعلم ومتطلب للمواطنة المسئولة في المجتمعات الديمقراطية التي تواجه تحديات تفرضها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وأصبح تعليم مهارات التفكير الناقد استجابة لمتطلبات مواجهة تحديات العولمة وتجلياتها في مختلف جوانب حياة»(11).
وبذلك يؤهل الطالب إلى المشاركة الفعَّالة في العمليِّة التعليميِّة فلا يتحول عن طريق الأنماط التعليميِّة التقليديِّة إلى جهاز استقبال ساكن لا حركة ولا حيوية فيه . تلك الأنماط التي تقتل فيه دعوة الخالق العظيم إلى إعمال العقل تأملًا وتدبرًا . وهو ما يؤكده "كيشانه" في حديثه عن كيفية التقدم نحو بداية التفكير النقديِّ واتخاذه وسيلة للتفكير الحرِّ: «إن التفكير الناقد يستطيع بكل سهولة أن يقضي على آفات من عملية الحفظ والتلقين التي لا تنشئ إلا جيلا يقوم على فكرة السمع والطاعة في كل شيء، ولو كان خطأ فكرة أن الأولين قاموا بكل شيء من أجلنا، بل من الأحرى أن نكون على يقين بأن الأولين قد تركوا لنا كل شيء، فإذا ساد هذا الانطباع نكون على بداية التفكير النقدي المنتج علميًا وفكريًا»(12).
وهكذا إذا امتلك الطالب عدته العقليِّة العاملة الفاعلة ينمو ويتقدم تعليميًّا وثقافيًّا ، بحيث إذا وصل إلى المراحل مع تدرجها إلى تلقي الفنون الإبداعيِّة التي يتعرض لها في صفوف التعليم يكون قادرًا على التعامل مع النصوص الأدبيِّة ويتعرف إلى منهجيِّة النظر فيها، والمناهج النقديِّة التي يتخذها في سبيل رؤية منصفة متذوقة ومقومة لتلك الأعمال. ومن هنا جاءت ضرورة تعليم النقد الأدبيِّ ليكون ثمرة لتعليم التفكير الناقد . وحتى تتكون لديه الذائقة التي يستطيع بها إمتاع عقله وروحه من خلال القدرة على الغوص في أعماق الأعمال الإبداعيِّة على اختلاف أجناسها . وفي ذلك نستهدي برأي "العشماويِّ" إذ تتلخص ضرورة تعليم النقد الأدبيِّ في قوله: «تكوين حاسة التذوق والتمييز لدى الطلاب»(13).
وإذا تمكن الطالب من الأخذ بمقادير كافية من طرق التفكير الناقد والنقد الأدبيِّ ووقف على أرض صلبة ثابتة تطلع إلى تطوير أدواته والانطلاق إلى عوالم أكثر اتساعًا . فيخرج إلى العالم الافتراضيِّ الذي يسمح بفرص أكبر لعرض نماذج مغايرة للنصوص الأدبيِّة ونقدها مما هيأته التقنيِّة الحديثة باعتباره حلًا لمتطلبات عصريِّة اقتصاديِّة وثقافيِّة . ذلك هو "الأدب الرقميِّ " الذي أضحى تعلمه ضرورة تعليميِّة جديدة ليست أقل احتياجًا من الطريقة التقليديِّة الورقيِّة . وحين يجب على الطالب والمعلم معًا تعلم هذا النوع من التعامل مع النصوص المحملة بأدوات تقنيِّة بصريِّة وسمعيِّة لها فضاءات حديثة فعلى الجميع مواكبة ذلك وإلا تأخرنا كثيرًا عن عصرنا وأصبح ما نقوم به من عمليات تذوقيِّة ماضية لا يكترث بها الجيل القادم . ولأجل ذلك فمن الضروري تعليم الأدب الرقميِّ أكاديميًّا وفق منهجيِّة علميِّة كي لا تخرج عن السيطرة وفق ما يحاذر " كوشو" حيث يقول: «إنه عندما يستعمل الفنان تقنية ما أكثر تعقيدًا وتركيبًا مثلما هو الحال في الإبداع الرقمي، فإنه من غير المعقول أن يتجاهل الناقد أو أي خبير في الاستاطيقا تفاصيل وأجزاء الصيرورة التكنولوجية»(14).
واستنادًا إلى تغيُّرات العصر التقنيِّة التي يلزم التساير معها ، ونظرًا لما تبعها من حلول تعليميِّة ربطت العالم ببعضه، وقدمت الخدمات التعليميِّة في العالم الافتراضيِّ ليكون حلًا للعديد من المشكلات الزمانية والمكانية . فإنه مع التقلبات العالميِّة والمستجدات الصحيِّة فقد نجد للتعليم عن بعد ضرورة لا يمكن غض النظر عنها في ظل الأوضاع الصحية المحلية والعالمية من انتشار الفيروسات التي تقتضي التباعد وأخذ الحيطة ، فإنه من المناسب أن يقدم العلم التقنيِّ حلولًا تفي باستمرار التعليم وعدم الاضطرار إلى توقفه لما يمثل هذا من ضرر بالغ على التقدم العلميِّ والثقافيِّ البشريِّ . لذلك وجب الأخذ بالوسائل التقنيِّة الحديثة التي تمثل همزات وصل بين الأساتذة وطلابهم ليس في الداخل وإنما على مستوى العالم .






تعليم نقد


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع