مدونة د. سالم مبارك محمد حسن بن عبيدالله


علم الأصوات ومصنفات علماء العربيَّة

د. سالم مبارك محمد حسن بن عبيدالله | D. Salem Mubarak mohammed ban obaidellah


05/09/2020 القراءات: 5779  


لم يغِب علم الأصوات عن مُصنَّفات المتقدِّمين من علماء العربيَّةِ، مع أنَّه لم يُعرف بهذا الاسم عندهم إلاّ في مرحلةٍ لاحقة، فقد مازجَ هذه العلوم المختلفة وداخَلَها حتى لا تكادُ تقع على كتابٍ فيها يخلُوْ من كلامٍ في علم الأصوات أو أثارةٍ منه، وقد قال أبو نصر الفارابيّ: إنَّ عِلم قوانينِ الألفاظِ المفردة يفحصُ أولاً في الحروف المعجمة عن عددها، ومِن أين خرجَ كلُّ واحدٍ منها في آلات التصويت، وعن المصوِّت منها وغير المصوِّت، وعمَّا يتركَّب منها في اللسان وعمّا لا يتركّب( يُنظر: ريادة العرب المسلمين في علم الأصوات، بحث شارك به الكاتب في المؤتمر الثامن والعشرين لتاريخ العلوم عند العرب الذي انعقد في معهد التراث العلمي العربي بجامعة حلب (25-27 حزيران 2007م) /1.).
وعلمُ الأصوات هو علم جديدٌ قديم. فهو علم جديد؛ لأنَّه أحد فروع علم اللسانيات، الذي أسَّسه اللغويِّ السويسريِّ فردينان دوسوسير (1857م - 1913م) مطلعَ هذا القرن، فهو أوَّل من عدَّ اللسانيات فرعًا من علم أشمل يدرس الإشارات الصوتيَّة، وهو صاحب اقتراح تسميته semiology""، ويعرف حاليًا بالسيميوتيك أو علم الإشارات الصوتيَّة( يُنظر: مدخل إلى الألسنية، د. يوسف غازي، منشورات العالم العربيَّة الجامعيَّة، دمشق، ط1، 1985م /30 - 31, وعلم الأصوات العام /10, ومقدّمة ترجمة كتاب "محاضرات في الألسنية العامة" /3). وهو علمٌ قديمٌ عند العرب؛ فهو أحد العلوم التي ظهرت في القرن الثاني للهجرة على يد الخليل بن أحمد الفراهيدي، لأنَّه واحد من العلوم التي تقوم عليها كلُّ لغة، فاللغة أصواتٌ تتألف منها كلماتٌ تنظم في جمل فتؤدِّي معاني شتّى، أو هي على حدِّ تعبيرِ ابن جنِّي: ((أصوات يعبِّرُ بها كلُّ قومٍ عن أغراضهم))( الخصائص، أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ)، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط4، د.ت. 1/34.)، والصوت كما عرَّفه الجاحظ: أنَّه ((آلة اللفظ، والجوهرُ الذي يقوم به التقطيع، وبه يوجد التأليف، ولن تكُونَ حركاتُ اللسان لفظًا ولا كلامًا موزونًا ولا منثورًا إلاّ بظهور الصوت، ولا تكون الحروف كلامًا إلاَّ بالتقطيع والتأليف))( البيان والتبيين، عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (ت: 255هـ)، دار ومكتبة الهلال، بيروت، 1423 هـ، ج3 1/ 84)؛ لذا عُني أصحاب كلّ لغة بأصواتها منذ أقدم العصور، من ذلك ما أُثِر عن قدماء اليونان، كأفلاطون وأرسطو من ملاحظاتٍ صوتيَّة متناثرة، وكذا ما ورد عن قدماء الرومان أمثال بريسكيان وترنتيانوس. أمَّا الهنود فكانوا أكثرَ اتساعًا وأعمقَ أثرًا في آرائهم الصوتيَّة، وهم أوَّل من نظر إلى الدراسات الصوتيَّة على أنَّها فرع مستقلّ من فروع علم اللغة، واشتهر منهم بانيني( عالم نحويّ هنديّ, تقدِّره دائرة المعارف البريطانيَّة أنَّه الأقدم في العالم, إذ يعود إلى القرن السادس أو الخامس قبل الميلاد. يُنظر: في الأصوات اللغوية، دراسة في أصوات المدِّ العربيَّة، د. غالب فاضل المطلبي، وزارة الثقافة والإعلام، العرق، 1984م /64.) بكتابه المسمى Ashtadhyayi""( يُنظر: أصوات اللغة، د. محمود عكاشة، الأكاديميَّة الحديثة للكتاب الجامعي، القاهرة، مكتبة دار المعرفة، ط2. 2007م /34، ومدخل إلى الألسنية /30 -31, وعلم الأصوات العام: أصوات اللغة العربية، د. بسام بركة، مركز الإنماء القومي، بيروت، 1988م /10، وعلم اللغة، مقدّمة للقارئ العربي /87 - 88, والبحث اللغوي عند العرب /342 - 343.).


ابن جني - التراث - الصوتيات - التجويد


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع