مدونة د. ملاك التميمي


انتهاء المنافع المستخلفة بالوصية / ج1/ الانتهاء بصورة اصلية

د. ملاك عبد اللطيف التميمي | Dr. Malak Abdullatef Al-tamimi


19/05/2020 القراءات: 3342  



ان الاستخلاف كنظام قانوني ينتهي إما بأسباب تعود الى السلف بان يقوم بتصرف معين يوقف فيه تلك الخلافة و ينهيها ، فلا يعود الخلف قائما مقام سلفه في المنفعة بل تعود المنفعة و الحق في استيفائها الى السلف ، يستوفيها بنفسه او يُحل الغير محله و يستخلفه ، و هنا تنتهي المنفعة بصورة أصلية.
و في حالة اخرى يمكن ان تفوت المنفعة بصورة تبعية، فقد ينتهي الاستخلاف ف بأسباب تعود للخلف نفسه مالك المنفعة ، فموت الخلف مالك المنفعة يمكن ان يكون سببا من أسباب انتهاء الاستخلاف.
المطلب الأول
الانتهاء بصورة أصلية
يعتبر الرجوع سببا من أسباب انتهاء المنافع بالوصية أذ ان اثر الاستخلاف يتمثل بثبوت ملك الخلف للمنفعة التي استخلف فيها الناتجة عن العين محل الاستخلاف ، اضافة الى حق الخلف في التصرف بالمنفعة المستخلف فيها و بالصورة التي انتقلت عليها تلك المنفعة إليه ، و يترتب على ملك الخلف الموصى له للمنفعة ان الاخير يتأثر برجوع الموصي عن وصيته، فالموصي قد يرجع عن وصيته ما دام حيا و هذا هو الاصل في الرجوع عن الوصية كسبب من أسباب انتهاء الاستخلاف ، و قد يرد الرجوع بصورة تختلف عن الرجوع في الصورة الأولى وذلك بان يتصرف الموصي بالمنفعة الموصى بها او يتصرف بمحل الاستخلاف تصرفا يترتب عليه زوال صفته او اسمه دون ان يكون قد رجع عن وصيته .
و ذهب فقهاء المسلمين الى ان رجوع الموصي عن وصيته مما ينهي الاستخلاف ، فما دام الموصي حيا فان له ان يرجع عن وصيته كلها او بعضها ، و كانت هذه المسألة محل اتفاق فقهاء المسلمين (37)، و استدلوا على ذلك بما روي من القياس و المعقول .
فمن القياس نجد أنهم قاسوا الوصية بالمنفعة على الهبة قبل القبض بجامع ان كلا من الوصية بالمنفعة - خصوصا- عقد تبرع ، فجاز للموصى الرجوع عن وصيته قبل ان تصبح ناجزة اي قبل وفاته ، فالرجوع عن الوصية قبل الوفاة يجتمع مع الهبة التي تحتاج الى القبض لتمامها ، فان لم يجر القبض و انتقال الحيازة من يد الواهب او خلفه الى يد الموهوب له او من يمثله و تراجع الواهب عن هبته فيصح ذلك الرجوع ، اما الهبة بعد القبض فلا يجوز التراجع عنها ، و نحن هنا بصدد تراجع عن الوصية قبل لزومها بوفاة الموصي و هذا مما لا جدال فيه .
أما المعقول فقد اتفقت الآراء في هذا الجانب على ان مقتضى الوصية ومناطها ان المال يخرج من ملك الموصي الى ملك الموصى له بطيب نفس منه اما إذا لم تطب نفسه بنفوذ الوصية حال حياته كان ذلك اختيارا منه لإعادة ملكه ممن استخلفه فيه فكان رجوعه جائزا (38).
كما استدلوا بان الوصية من العقود غير اللازمة و بالتالي فيجوز للموصى الرجوع في وصيته بالمنفعة على الخلف الموصى له اذا هو شاء ذلك و لا ما نع من ذلك .
وان انعقاد اتفاق فقهاء المسلمين على صحة رجوع الموصي عن الوصية لحقه انعقاد الاتفاق على الكيفية التي يتحقق بها ذلك الرجوع، فقد اتفق الفقهاء على ان رجوع الموصي عن الايصاء للموصى له يدل على الإعراض عن الوصية بالمنفعة(39) ، و يحصل بإحدى حالتين هما اما التصرف الصريح أو التصرف الضمني ، و يتحقق التصرف الصريح باللفظ المباشر كمن يقول رجعت في وصيتي أو أبطلتها أو غن ما أوصيت به لشريكي في التجارة فهو لخادمي أو فهو لزوجتي وأولادي اي لورثته .
أما التصرف الضمني فيكون بالتصرفات التي تزيل اثر الوصية او تزيل الملك عن الموصى به بالفعل ، و تكون على نوعين تصرفات اعتبارية و تصرفات مادية.
فالتصرفات الاعتبارية عبارة عن تصرفات ناجزة لازمة في حياة الموصي تقع على الموصى به و تزيل امكان تصرف الموصي بالموصى به لان حق التصرف فيه انتقل الى الغير، كمن يوصي بشيء الى فلان من الناس ثم يبيعه الى الغير او يقوم بهبته أو التصدق به الى جهة اخرى ، و يعود سبب كون ذلك التصرف من التصرفات الناجزة اللازمة في حياة الموصي الى ان التصرف اذا كان من التصرفات المضافة الى ما بعد موت الموصي كان من قبيل التصرفات التي يشملها الرجوع الصريح و ليس الرجوع ضمناً.
اما النوع الثاني منن التصرفات الضمنية التي تفيد الرجوع عن الوصية فهي تلك التصرفات المادية التي تؤثر في عين الموصى به كما لو اوصى بطعام فأكله أو بشيء فأتلفه ، وان هذه التصرفات اذا تحققت فإنها تنفذ و تؤدي الى انتهاء الوصية و تزيل امكان ان يقع الاستخلاف بين الخلف الموصى له للسلف الموصي اذا ما توفي السلف ، ولا تعود الوصية اذا ما عادت ملكية الموصي للمنفعة التي تراجع عن الايصاء بها (40).
و على الرغم من انعقاد اتفاق الفقهاء على ان رجوع الموصي عن الوصية يكون باي نوعي التصرفات الصريحة او الضمنية مادية كانت ام اعتبارية و ان اثر ذلك الرجوع يكون في جانب انهاء الاستخلاف الذي تحققت جميع عناصره من حيث النشوء عدا عنصر واحد يتمثل بمسألة وفاة الموصي و حياة الموصى له بالمنفعة بعده ، و عدم امكان العودة عن ذلك الرجوع حتى لو رجع عن تصرفاته التي أدت الى الرجوع ، اذ يجب ان تنعقد وصية جديدة لكي يثبت حقا للموصى له بالمنفعة .
الا ان ذلك الاتفاق لم يمنع ان يقوم خلاف بين اراء الفقهاء بشأن مسألة الايصاء بمنفعة عين ما ثم قيام الموصي بالتصرف بالموصى به تصرفا يترتب عليه زوال اسم الموصى به أو صفته كما لو اوصى بــدار فهدمها و جعلها محال تجارية ، او أوصى ببستان فقطع أشجاره و جعله عرصات فهل يترتب على ذلك اعتبار ان إقدام الموصي على مثل هذا التصرف يعتبر رجوعا منه ام لا ؟ وما اثر ذلك على حق الموصى له ؟
و في ذلك نجد ان فقهاء المسلمين قد انقسموا في رأيهم الى اتجاهين :
الاتجاه الأول : يذهب أنصار الاتجاه الاول من فقهاء المسلمين الى ان التصرفات التي يوقعها الموصي على الموصى به تنقسم الى نوعين من التصرفات ، فهي اما تصرفات تزيل ملك الموصي عن الموصى به او تزيل عينه ، و تصرفات تزيل اسم الموصى به و صفته(41).
الاتجاه الثاني: يرى أصحابه ان هذه التصرفات ونحوها على اختلاف ما تزيله من الموصى ، فلا يوجد ثمة فرق بين ان تكون تلك التصرفات من المزيلة لملك الموصى به وعينه ، او من التصرفات المزيلة لاسمه وصفته ، فكل تلك التصر


الوصية ، المنفعة ، الاستخلاف، محل الاستخلاف


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع