مدونة أ د توفيق أحمد علي السنباني
العصبيات الجاهلية صورها وآثارها
أ د توفيق أحمد علي السنباني | Prof/ TAWFIK AHMED ALI ALSANABANI
17/10/2020 القراءات: 2235
العصبيات الجاهلية صورها وآثارها
د. توفيق أحمد علي السنباني أستاذ الفقه وأصوله
بقسم الدراسات الإسلامية بكلية العلوم والآداب
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الصادق الأمين وآله وصحبه أجمعين والتابعين أما بعد
فانه لابد أَن يتعرّض المسلم والمجتمع إِلى بعض المواقف التي يُمحَّص فيها الإِيمان وصفاؤه، والعلم وقوّته، والوعي وامتداده. ومن خلال أَحداث الحياة وسنن الله يمضي هذا الابتلاء والتمحيص على درجات متفاوتة في الشدّة أَو الخطورة.
وقد تظهر من خلال ذلك كله أمراض وعلل في جسد المجتمع فإِن تُرِكت نمتْ واستشرت، وإن عولجتْ هدى الله من يشاء إلى الحق بإِذنه.
ونريد أَن نعرض هنا إِلى مرض يسهل انتشاره وامتداده، لأنه يلامس العاطفة المغروسة في الإِنسان. ولكن هذا المرض يدفع العاطفة إذا لامسها إِلى الانحراف عن نهج الإِيمان، ويغذيها في هذا الاتجاه المنحرف. وإذا استمرّ الانحراف يتحوّل إلى فتنة وضلالة كبيرة إنه مرض العصبية .
مفهوم ا لعصبية :
العصب : عصب الإنسان والدابة والأعصاب أطناب المفاصل التي تلاءم بينها وتشدها ،
وتعصب أي شد العصابة والعصابة العمامة ، والتعصب من العصبية والعصبية ان يدعو الرجل الى نصرة عصبته والتآلب معهم على من يناوئهم ظالمين كانوا أومظلومين .
والعصبية مناصرة من يهمك امره في حق أو باطل
حقيقة المرض وخطورته :
إن دعوى الجاهلية هذه : يا آل فلان ويا آل فلان، هي وأمثالها من دعوات المناطقية والإقليمية والقومية تمثل انحراف عاطفة القربى ورابطة البلد عن خطها الإِيمانيّ ونهجها الرباني، لتصبح عاطفة ودعوى جاهلية، تفسد في الناس وتفرق، بدلاً من أن تجمع وتصلح، إِنها العصبية التي عرفها لنا وحذَّرنا منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، إِنها الباطل والفتنة والفساد.
أنواع وصور ا لعصبية :
ونستطيع أَن نوجز هذه العصبيات الجاهلية أو نعدّد بعض مذاهبها ونماذجها في واقع المسلمين اليوم، وفي واقع البشرية كذلك، على النحو التالي :
1- العصبية للذات وما تحمل من كبر وغرور وإِعجاب بالنفس وانتقاص للآخرين .
2ـ العصبية للأُسرة والعائلة والنسب، وإيثارهم بالباطل وتأييدهم على الظلم.
3ـ العصبية للأصدقاء والافتئات على حقوق الآخرين ظلماً وعدواناً.
4- العصبية القبلية والوقوف معها في الحق والباطل
5ـ العصبية المناطقية حتى يرتبط الولاء والبراء والتزاوج والامتزاج والتواصل والقبول والزمالة والصداقة بهذا المفهوم العصبي الضيق
6-العصبية للجماعة أَوالمذهب او الحزب أو أَي تجمّع حتى يصبح اسم الجماعة أَو الحزب أو التكتل ينال الولاء الأَعلى والنصرة الأَشد. فتتطاحن الجماعات وتُسدّ أَبواب اللقاء.
7-العصبية للإقليم حتى تصبح الوطنية الإقليمية هي التي ترسم الدرب والنهج، والعلاقات والأَهداف، وهي التي يدور حولها الأَدب والفكر والعاطفة والولاء. وتتمزّق الأُمة وتتناقض مصالحها، فتتصادم وتفترق، أَو تتعاون وتلتقي، على أساس مصالح متبدِّلة ومطامع لا تخضع لميزان عادل.
8- العصبية القومية التي ترى نفسها أَعزَّ من غيرها بجنسها ودمها. وتتفاضل الشعوب عندئذ بضلالة الأجناس والدماء في دعوى جاهلية باطلة يحرّمها الإِسلام، فتُسدُّ بذلك أَبواب تلاقي الشعوب والأجناس على غير الخير والحق في منهاج ربّاني كامل. ولا يعود التنافس على خير، ولكن على شر وتحاسد وفتنة ومظالم. وتسود شريعة الوحوش تحت رايات الحضارة الكاذبة، وتلتهب الأرض فتنة وحروباً ودماراً.
آثار وأضرار ومخاطر العصبية :
إن هذا المرض القاتل لا ينحصر شرّه في البلد الواحد أَو الأُمة المسلمة وحدها...كلاّ إِنه خطر يهدد حياة الإنسان والبشرية كلها على الأرض. إِنّه الداء الذي يثير الأَحقاد الباطلة بين الشعوب، حتى يصبح كلُّ شعب لا يرى الحقَّ إلا في مصالحه الظالمة وأطماعه العدوانية، فتثور الحروب وتلتهب الأرض بنارها، ويفقد الناس الأمن والعدالة والحرّية الكريمة وتضطرب الموازين بأيدي الناس حتى يظلم بعضهم بعضاً. وينهب بعضهم بعضاً ويختل التوازن الاجتماعي ويعرض الإنسان عن قبول الحق
ما لذي جعل ابا طالب وابا لهب وغيرهم يعرضوا عن قبول الاسلام الا العصبية لقومهم وجاهليتهم
وما لذي جعل بعض قبائل الجزيرة العربية يرتدون عن الاسلام الا العصبية
وما لذي جعل الاسود العنسي الكذاب وغيره من المرتدين يرتد ويدعي النبوة الا العصبية زعما ان قريش استأثرت بالامر.
إِن الأمر يبلغ غاية السوء وأَشد الخطر حين يصبح الرأي العام المنتسب للإسلام يقبل هذا التأويل، وهذا الواقع، ويمضي معه ليكون حامياً له وقوة له، بعد أَن سكت عنه أَولاً ثمَّ استسلم له ورضي به واعتاده وأَلفه !
ثمَّ لا يستيقظ أَحد إلاّ عند نزول البلاء بعد البلاء، والفتنة بعد الفتنة، والدمار بعد الدمار، واللجوء بعد اللجوء، والمجازر بعد المجازر، ثم تجد من يسأل : لماذا حلّ بنا عقاب الله ؟! (.. قل هو من عند أَنفسكم.. )، هذا هو ما كسبت أَيديكم، وهذا هو ما صنعتموه أَنتم بأَيديكم وأَنفسكم، فالله حق يقضي بالحق، لا يظلم شيئاً، ولا يظلم أَحدا
إِنها مسؤولية كل مسلم أَن يبذل جهده ليعالج هذا المرض في نفسه أَولاً ثمَّ في أهله وعشيرته ثم في قومه وأُمته.
فينشأ مجتمع مسلم متحاب متآخ على منهج الاسلام وروابطه فيملأ الارض عدلا ونورا ويجتمع المسلمون على كلمة سواء.
والله الموفق والهادي الى سواء السبيل.....
العصبيات - الجاهلية - خطورة العصبية - اثار العصبية
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف