مدونة د. مروه العميدي


قرآءة نقدية في رواية "الدرك الأسفل من الجنة"

د. مروه العميدي | Marwa Alameedi


21/11/2023 القراءات: 1252  


قرآءة نقدية في رواية "الدرك الأسفل من الجنة"


صدرت الرواية عن دار العربية للعلوم - ناشرون عام 2018م ، تقع في 150 صفحة من الحجم المتوسط بصورة غلاف تعود للمبدع (علي حجازي) ، تعبّر عن غرض الرواية وتفكك لغزها حول الخلود والفناء.

زخرت التجربة الروائية السردية لرُسلي المالكي بكماليتها ونضوجها ، حيث وضع لمسته وفق دفق من الجرئة المخلوطة بالجمال والشباحة مطرزاً خياله الشاسع على منديل الأدب بكامل التمكن والإبداع تاركاً لنا فسحة جديدة من التأمل والإبتكار.

- فكرة للرواية:
تدور أحداث الرواية حول حياة "راموس" الساقي الذي أمتهن مهنة بيع المياه والذي فجأة ما يجد نفسه الذكر الوحيد الباقِ على جزيرة "هفينا" بعد إن أجتاحتها عاصفة هوجاء أفنت من عليها من ذكور من الأنس وبقيّة الكائنات ، تاركة ذكراً واحداً من كل صنف موجود في بقعتها ، ومن هنا تلوح لنا حكاية الخلود والفناء بعد أن يتوج "راموس" ملكاً على جزيرة " هفينا" في قصر " برادوزا العظيم" وهو تحويل كينونة الحال "من اللاشئ الى الشئ" ، من هنا تنطلق مساعِ راموس ملك هفينا في خلق حياة أكثر إستقراراً تضمن بقاء الجزيرة وديمومتها ، لكنه سرعان ما يشعر بجزع جارف مما يجعله يغير مساره من حياة الترف والخلود الأبدي الى حياة مصيرية أخرى يواجه بها قوانين الآلهة السبعة للمعادن ، ينهيها بإنصهار جسده في بركان هيلا اللافح ، تاركاً خلفه حياة جديدة نابضة من نسله.

- الشخصيات :

تعددت الشخصيات وحضورها في رواية "الدرك الأسفل من الجنة" وتنوعت من حيث كمونها وتوجهاتها فنلاحظ أن الروائي تمكن من التحكم في تحريك الأحداث مع إبراز شخصيات نامية في الحدث، حيث ظهر دور "أيفا" الحبيبة الملهمة واضحاً فهي شخصية أكثر تأثيراً وتحركاً في نقلات الحدث الروائي، ورغم ذلك تمكن الروائي من تحقيق قفزة ناجحة في إبراز صوت شخصية مركزية هي "السيدة مارلين" والتي بواسطة مقترحاتها تمكن الروائي من تحريك وإبراز شخصية بطل الرواية "راموس"، أيضاً لا يجهل الروائي طريق الإنطلاقة والعودة الى بقية شخصيات الرواية بما ينسجم ويتلائم مع رحابة الحدث الحكائي فهو ملم بها من خلال إدارته المحكمة للسردية والتقافز ضمن أنطقة الأحداث.

- الحكايـة :
تظهر الحكاية في رواية "الدرك الأسفل من الجنة" كإرتدادات حدثية، تقع الرواية في (39) فصل فضلاً عن الخاتمة، وتشكل بمجموعها رواية كاملة تحكي لنا نص قصة حياة "راموس" الساقي الذي أعتاد ممارسة حياته البسيطة في كوخ بدائي ورحلة يومية شاقة مع بيع الماء وبهذا يضع الروائي بين أكفنا تسجيل درامي للحياة وبساطتها بشكل تفصيلي دقيق، ومن هنا يسلك مسلكه القدر في إعادة ترتيب قواعد اللعبة ويغير كيميائيتها من خلال تحويل اللاشئ الى شئ وتبدأ حياة الترف والتلذذ بالنسوة والجنس والمعيشة الفاخرة.

- الخدع السردية تقنية روائية :
قد يكون القارئ هو العنصر الأساسِ في الخدع السردية مقابل ما يقدمه الروائي من تفاصيل حادة لكل شخصية، حيث يتكون لدى القارئ منذ البدء إنطباع كامل حول كل شخصية وبلا قصدية.
ولا ننسى أن الروائي قدم وصفاً لبعض شخصيات الرواية منها "باربوسا" عروسة هفينا ذات العينين الفاقعتين و "ايفا" ذات الشعر الأسود والعينين السوداويتين الفاحمتين الكبيرتين.

وفي فصول الرواية الوسطى نرى الكاتب أبدع في دغدغة قلب المتلقي بسرديته ووصفه الذي يعكس لنا صورة عن أحساسه والذي هو المكون النفسي الحقيقي ، حيث برر الحرمان النفسي والجسدي بالمتعة:

"كان قلبه يزداد نفيراً من شدة ضرباته ، لكنه كان مستسلماً لعزفها على قيثارة جسمه…"
و
"... بدت ناظرة الى عينيه بشبق المجرة كلها… ".

- المكان :
سعى الكاتب الى إبراز عنصر المكان والصوت والقدر حيث قدم وصف باسق للمكان وهذا مكنه من إثارة تخيل القارئ للمكان والجو وشد إنتباهه مستعيناً بـ (الكوخ ، السور ، السقف ، السرير ، الجدار ، النوافذ ، الستائر، العرش، القبة ، الأرض ، النهر… وما شابه) والأصوات المتعالية التي تعد نقطة بداية لإنسيابية الأحداث وتمددها في عريشة الرواية.

- الزمان هو بعد تأريخي ولغز جمالي للرواية:
أشار الكاتب الى تأريخ الحدث المفصلي والذي ممكن أن نلمحه في أول سطر من الرواية :
"… الساعة السابعة من صباح يوم الجمعة - الحادي والعشرون من ديسمبر من العام 305… ".
وتوقف الساعة على السابعة ماهي إلا دلالة ربط وإقتران السابعة بآلهة المعادن السبعة.

- لغة الرواية :
عند قرآءة الرواية يلوح لنا بوضوح النسجة المكتنزة من التركيبية والأسلوبية والجمالية المذهلة ، حيث أن تنوع الصور ترك لنا شعرية نصية تقوم على أساس التزاحم الفني واللغوي والإستعاري والبلاغي الذي يمنحنا كقراء نوع من الإستمرارية والتلاحم مع الأحداث المسرودة ونحتم بأننا نقرأ نصاً لغوياً وبلاغياً ناضجاً وجديراً، وبشكل عام أحتفظ الروائي بلغته الفصحى وأبتعد عن لهجة المكان العامية:

"… أما العرش فمخمله الأحمر القاتم ينساب من متكئه الى مقعده ، بين قبضتي يدين من الذهب المزخرف على هيئة الطواويس..."
و
"في هوةٍ بهيلا قعر ناري أكبر من هفينا كلها ، بعد أن يحرق المرء ويبعث من جديد تأخذه ريح غريبة مبتلعة إياه من نهر النحاس المنصهر الى الأعلى…"

وتمكن الكاتب من إستخدام ضمائر متنوعة (أنا) عن لسان شخصية راموس بطل الحكاية و(هي) عن لسان الشخصيات الأنثوية التي تدير القفزات الحدثية بالنصوص و(هم) للغائبين من سفينة آسك.

- صوت الروائي :

صوت الروائي هو نقطة بروز إبداعه في القفز بين الأحداث دون الإنحياز الى جنس دون أخرى (ذكور أو أناث) فهو على ثقة تامة بما يسرد وهذا ما عكس الصوت الحقيقي للروائي من خلال حوارات "راموس" و "مارلين".


نقد - رواية - أدب - سرد


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع