مدونة لبات الدخيل


الإعلام بين القبول وصناعة العقول

لبات الدخيل | Labat Edkhil


04/12/2020 القراءات: 3413  


خلال زحف القوات النازية على دول أوربا في الحرب العالمية الثانية استعمل القائد الألماني رودولف هتلر احد أكثر الوسائل فاعلية في الحرب وهي الحملات الدعائية والحرب النفسية من طرف وزيره جوبلز، معتمدا في ذلك على أسلوب لا يخلو من التهديد والوعيد والويل والفناء، ونتيجة لذلك سقطت العديد من دول أوروبا كأوراق الشجر واستسلم جيوشها دون عناء كبير، وعلى نفس الخطى تم زرع فكرة الصهيونية والدولة اليهودية في قلب العالم العربي بقيادة الصحفي هرتزل رغم عدالة القضية الفلسطينية من جهة والانتفاضات العارمة التي خاضتها شعوب المنطقة، وأمام هذا الوضع لم تجد القيادة الإسرائيلية غير التنكيل بالفلسطينيين وتكريس الأمر الواقع في الرسائل المقدمة في الإعلام بالادعاءات والتضخيم وإظهار الصهاينة بصورة الشعب المضطهد عبر امتلاكه لأكبر القنوات العالمية ووكالات الأنباء وتأثيرهما على الرأي العام الدولي، ويكفي أن نذكر هنا إمبراطورية "روبيرت ميردوخ" العالمية وكيف يتم ترويج الأكاذيب وتشكيل الآراء وتنميط الأفكار، ومن هذه المداخل يمكن اعتبار الدعاية الإعلامية إحدى الوسائل القوية لكسب تأييد ما حول موضوع ما عن طريق التزييف والتهويل والتضليل، ويكاد لا يخفى على المتتبع العادي حجم وأهمية الإعلام في الآونة الأخيرة في استمالة الجماهير وإعادة تشكيل قناعاتهم وزيادة الجرعات الإخبارية نحو موضوع محدد عبر ضخ القليل من الحقائق ودمجها في خلطة من المغالطات واستعمال الأساليب العاطفية التي تثير الآخر وتستفز مشاعره الإنسانية، ولأن الهدف هو طمس الحقائق وتغيير المعتقدات والمبادئ فإن هذا النوع من الحروب الذي يسميه البعض الجيل الخامس من الحروب يعتمد بالأساس على تركيز المواد الإعلامية وتكاملها عبر مختلف أنواع المنابر الإعلامية سواء منها السمعية او البصرية او المكتوبة او التكنولوجيات الحديثة وكذا اعتماد أسلوب التكرار قصد إقناع الجمهور المستهدف بهذه القضية او تلك ومن خلاله أيضا تقنية تغيير طرق تكرار المواد حتى يتم تفادي الملل والحفاظ على حد أدنى من المصداقية لا تضر بجوهر الخبر المزيف، كما يعتمد الأسلوب الدعائي على المراوغة والمناورة والقفز على المعطيات وتكريس واقع جديد تحت إسناد أو حجج دينية تثير العواطف على قاعدة ويل للمصلين أو معطيات تاريخية منقوصة أو مبتورة أو محرفة ... ومهما يكن فإن واقع الحال يجعلنا ندرك أهمية الإعلام في صناعة مصائر الشعوب والدور الكبير الذي يشغله في ذهنية الجماهير ولعل الثورات العربية الأخيرة التي شهدتها شوارع بعض العواصم العربية ضمن ما يسمى الربيع العربي وكيف تم استثمار هذه الآلة ضمن أهم الأسلحة في المواجهات بين السلطة الحاكمة ودعاة التغيير يظهر بما لا يجعل مجالا للشك فاعلية الرسالة الإعلامية في تنميط الصورة وتأليب الأفكار حولها وعليه فيمكن اعتبار بداية سقوط أي أطروحة أو نظام يتم انطلاقا من بداية سقوط مناعته الإعلامية والتواصلية وهشاشة رسالته المقدمة أمام الضخ الإعلامي في الاتجاه الآخر، وما يدلل على ذلك هو ما حدث مع نظام الإخوان المسلمين في مصر بعد الرئيس المخلوع حسني مبارك وعدم استطاعة وجاهزية إعلام محمد مرسي في مواكبة الأحداث وبناء رأى عام جديد يتسم بالمرونة وعدم التخوين يجعل الجماهير تشعر بالطمأنينة لهذا الوافد الجديد المجهول وفي المقابل استطاعت بؤر إعلامية في إقناع المشاهد المصري بعدم كفاءة تنظيم الإخوان في تسيير ومسايرة المرحلة الجديدة وعليه فقد كان لزاما أن نشهد معركة جديدة من الكر والفر تكون وسائل الإعلام رحاها ويكون الرابح لا محال هو من يكشف عورات وأوحال الآخر وإقناع الجمهور بما يقدمه، ليس هذا فحسب بل أن امتدادات هذه الحروب قد تعصف بلحمة النسيج المجتمعي وتخلف عديد النتوءات والشروخ يصعب بعد ذلك مداواتها وتصحيح مسارها، خصوصا إذا ما كانت الخلفية ذات بعد طائفي بالمفهوم الديني، والأكيد أن الحديث عن غطرسة الإعلام وجبروته ليس جديدا ولن ينتهي الغوص في دهاليزه ما دامت سنة الله في الأرض مبنية على التدافع والهلع وما دام مفهوم الحقيقة في ظل العولمة هي التي تقدمها لنا وسائل الإعلام وليست ما نتصوره ونراه.


صحافة - إعلام - معلوميات - رأي عام - وسائل التواصل الاجتماعي - عالم افتراضي - انترنت - العالم الرقمي


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع