مدونة الباحث/ محمد إبراهيم محمد عمر همد
ارتباط العامل بالعلل النحوية
الباحث/ محمد إبراهيم محمد عمر همد |
05/07/2024 القراءات: 559
يُقْصَدُ بالعلة في اللغة معانٍ كثيرة منها: السقي بعد سقي، والمرض، والحدث الذي يشغل صاحبه، والسبب.(1) أمَّا عند النحاة فهي السبب الذي يتمُّ الاحتجاج به على الحكم النحوي ، فمن ذلك تعليل سيبويه لحذف حرف العلة في المضارع المجزوم بقوله:((لئلَّا يكون الجزم بمنزلة الرفع، فحذفوا كما حذفوا الحركة ونون الاثنين والجَمِيع.)).(2) ويعلِّل سيبويه أنَّ هذا الحذف سببه الخوف من التباس المضارع المرفوع (المعتلِّ) بالمجزوم منه، فكان الحذف فارقاً بين الاثنين. ولم يكن التعليل النحويِّ من اختراع سيبويه، فقد سبقه إليه النحاة الذين كانوا من قبله حيث عُرِفَ ابن أبي إسحاق بأنَّه:((أول من بعج النحو ومد القياس وشرح العلل.)).(3) كما عُرِفَ الخليل بن أحمد بالقدرة على استنباط العلل النحويَّة التي لم يسبقه إليها أحد.(4)وقد سُئل الخليل عن تلك العلل التي يعتلُّ بها إذا كان قد أخذها عن العرب أم اخترعها، فكانت إجابته عنها بأنَّ العرب قد نطقت بكلامها على سجيَّتها، وقد عرفت مواضع كلامها، فهي وإن لم تقل بتلك العلل فقد كانت واضحة لديها، أمَّا هو فحاول أن يلتمس تلك العلل في كلامها، فهو أشبه بمن دخل داراً أُحْكِمَ بناؤها، فصار يقول في كل جزء منها إنَّما فعل الباني هذا لعلَّة كذا، فإن كان الباني قد فعل ذلك لعلَّة ما ذكره فكان ذلك، وإلَّا فإنَّ قوله يظل محتملاً في ذلك.(5) مسوغات االتعليل النحويِّ للعامل ارتبط النحو في بداياته بحلقات الدراسة، فكان يُؤْخَذ عن طريق المشافهة بين الملقِّن والمُتلَقِّي، الأمر الذي ساعد على أنْ تتخلل تلك الحلقات بعض الأسئلة النحويَّة الاستيضاحيَّة عن بعض المسائل التي تُطْرَحُ في الدرس النحويِّ، وهذا ما يضطر المعلم إلى تقديم إجابات تشفي غليل المتعلم إلى المعرفة من جهة، وتتَّسق مع ما تمَّ تدريسه له من جهة أخرى. فإذا عجز المعلِّم عن تقديم رأيه النحويِّ معللاً كان ذلك سبباً للهزء به، والحط من منزلته العلمية، وذلك كما حدث مع الكِسائيّ وقد سُئِل في حلقة يونس النحويِّ عن سبب نصب (حتى) للأفعال المُسْتَقْبِلَةِ فقال: (هكذا خلقت!). فضحك به.(6) فإن صحَّت هذه القصَّة عن الكِسَّائيّ فإنَّها تدل على ولع المتعلمين بالتعليل النحويِّ في تلك الفترة، إذ كان يكفي الدارس أنْ يعلم أنَّ (حتى) تنصب الأفعال المُسْتَقْبِلَةَ، ولكنَّه أراد أن يعرف المزيد عن ذلك. كما كان بعض النحاة يمتحن أقرانه ليطَّلع على مدى معرفتهم ببعض المسائل النحويَّة المُخْتَلَف عليها في عصره، فمن ذلك سؤال الرياشيِّ للأخفش، وقد زعم الأخير بأنَّ (مُذْ) تكون اسماً إذا رُفِعَ بها، وتكون حرفاً إذا خُفِضَ بها، فسأله الرياشيُّ عن عدم مجيئها اسماً في الموضعين كما الأسماء تنصب وتجرُّ، فلَمْ يأتِ الأخفش بالجواب. وكان المازنيُّ حاضراً فأجاب عن سؤال الرياشيُّ بقوله: ((لا تشبه (مذ) ما ذكرت من الأسماء، لأنا لم نرَ الأسماء هكذا تلزم موضعاً واحداً، إلا إذا عارضت حروف المعاني، نحو ((أين)) و((كيف)) وكذلك ((مذ)) هي مضارعة لحروف المعاني، فلزمت موضعاً واحداً)).(7)وهنا يعلِّل المازنيُّ عدم اسميَّة (مذ) في الجر بعلَّة المشابهة، أي مشابهة حروف المعاني. وقد أسهمت ظاهرة المذاهب النحويَّة في تعليل العلل وتوليدها، فما كان له علَّة واحدة صارت له علَّتان، وما كانت له علَّتان صارت له ثلاثة علل، وهكذا أكثروا من إيراد العلل للمسألة النحويَّة ومن تفريعها، وذلك نتيجة للتنافس المُحْتَدَمِ بين أصحاب المذهبين(البصريّ والكوفيّ).(8) يتضح مما سبق ذكره ارتباط التعليل بالدرس النحوي الذي يُفْتَرضُ فيه أن يجيب عن أسئلة طلبة العلم واستفساراتهم عن بعض المسائل النحويَّة، ولم تكن الفكرة- من حيث المبدأ- موضع خلاف بين النحاة وإن اختلفوا في بعض جزيئاتها، وهو خلاف له أصوله وقوانينه التي تحكم بين المختلف عليه منه. ___________________________________ (1) الجوهريُّ، معجم الصحاح، جـ:6، مادة (علل). (2) سيبويه، الكتاب، جـ: 1،ص: 23. (3) الزبيديُّ، أبو بكر محمد بن الحسن، طبقات النحويين واللغويين، تـــ: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، القاهرة، ط: 2، ( د. ت)، ص: 31. (4) المرجع السابق، ص: 47. (5) الزجاجيّ، الإيضاح في علل النحو، ص: ( 65 – 66). (6) الزبيديُّ، طبقات النحويين واللغويين، ص: 127. (7) التنُوخِيُّ، أبو المحاسن المُفَضَّلُ بن محمد، تاريخ العلماء والنحويين من البصرين والكوفيين، تـــ: عبد الفتاح محمد الحلو، جامعة محمد بن سعود، الرياض،(ط.د)، 1981م، ص: 77. (8) الأنباريُّ، عبد الرحمن بن محمد، الإنصاف في مسائل الخلاف، تــــــــ: محمد محي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، بيروت،(ط. د)،2007م، جـــ: 1، ص:(66-67).
العامل النحو علل النحو التعليل النحوي
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع