قانون الراهبات ما بين الادب الديني التعليمي والرفض السياسي (محاضرة في اكاديمية الصداقة الدولية)
د/ أحمد حمدي أبوضيف زيد | Dr\ Ahmed Hamdy Abudief Zaid
04/08/2021 القراءات: 1002
ذكرت سيستر جوليانا دوسيل Sister Juliana Dusel أن " قانون الراهبات" يعد من الأعمال الإنجليزية المبكرة في التاريخ الوسيط "، والتي كتبت في جنوب غرب ميدلاند Southeast Midland باللهجة الإنجليزية العامية القديمة عام 1205م، وذلك بناءاً على استخدام اللهجة العامية والمنطوق اللفظي في الكتابة مثل Sowles Warde التي تعني الروح أو الناصح أو كلمة Ancren Wisse التي تساوي Ancren Riwle كلغة أساسية في الكتابة إلى جانب اللغة اللاتينية في ترجمة المخطوط بيد نفس الراهبات في بداية القرن الثالث عشر كما ظهر في مخطوطتي جامعة ماجدولين وأكسفورد، واستناداً إلى ما أشار إليه مترجمي النسختين الإنجليزية واللاتينية من ركاكة في استخدام اللغة اللاتينية وتحليل اللغة العامية التي تتألف بشكل كبير مع مؤلفي القرن الثالث عشر من الأنجلو-سكسون، رجح روبرت و.اكرمان Robert W.Ackerman أن هؤلاء الراهبات يعتبروا من طبقة "أنصاف السكسون" ، وإن كان ذلك الترجيح المبني على تحليل لغة العصر يحمل شيئاً كبيراً من الصحة خاصة وأن لوري أ.فينك أشارت في معرض حديثها عن تحليل الدوافع والأهداف التي دعت ماري من فرنسا تنتقد سياسة "القوة المستبدة " أن الملك هنري الثاني حاول فرض سياسة الزواج السياسي بين باروناته وبارونات الأنجلو- سكسون وإن كانت تلك السياسة تلفت النظر لدوافع الراهبات لدخول الدير ويفتح الطريق لمعالجة مسألة دوافع وأهداف الكتابة.
الرسالة الدينية التعليمية والرفض السياسي :
حددت كاتبات القانون شكل المنهج العام الذي اتبعنه عند الكتابة من البداية في المقدمة، حيث تأثرن كما يري ر.و.اكرمان بمنهج وأسلوب طائفة الدومينيكان من حيث كتابة الأناشيد الدينية رغم أن المؤلف كتب بطريقة نثرية وقد جاء ذلك المنهج العام في مجملة يتمضن رسالتين الأولى سياسية إلى كل الشعب الديري المسيحي في إنجلترا وظهرت تلك الرسالة في متن الكتاب – وسيتم الإشارة إليها عند الحديث عن الاستشهاد في سبيل الدين- والرسالة الثانية دينية تعليمية حيث وجهت إلى كل مريدي الترهبن والظاهر أن مضمون تلك الرسالتين لم يفرغ كل محتويات القانون دون ثمة رابط بين الرسالة الدينية والسياسية والمنهج المتبع عند كتابة القانون والذي نبع في الغالب من خلال رصد الموضوعات والأفكار الدينية المحيطة بالراهبات.
الرفض السياسي
الرفض السياسي
حددت راهبات جنوب غرب ميدلاند أن الهدف من كتابة ذلك المجلد هو معالجة أساليب المعاملات اليومية للراهبات على المستويين الروحي والحسي، وحدد الناصح الروحي أو الصديق الكهنوتي للراهبات الثلاث أن الهدف الأساسي من عرض منهج الحياة العقائدية داخل الدير في ذلك المجلد لتحفيز فتيات الطبقة النبيلة على دخول مسلك الرهبنة التي تعد تضحية مضاهية لموت السيد المسيح على الصليب، لذا فيكون تتويج الناسكة أن يتخلل روح السيد المسيح داخل البتول الناسكة، هذا الهدف لا يختلف كثيراً عن ما هدفت إليه معاصرتهن الشاعرة ماري الفرنسية عندما كتبت قصيدة حياة القديسة أودري أوعن الاتجاه العام السائد في تلك الفترة آنذاك، لكن الظاهر أن الكتابة الدينية استخدمت هنا لنقد الأحداث السياسية الجارية فمثلما قصدت ماري الفرنسية في كل قصائدها الدينية أو الأدبية نقد مبدأ "القوة المستبدة" بالمثل فعلت الراهبات الثلاث حين حاولن معالجة مسألة الزواج الروحي الذي يتناسب مع التعاليم السلوكية في إطار محكمة الحب التي يظهر فيها السيد المسيح على هيئة الفارس أو الملك الذي يتودد بحب وعطف ليعرض مساعدته على الأميرة التي "دافعت عن القلعة Eoretene Castle" من هجوم الأعداء، وفي النهاية فالملك حفظها من أعدائها ومات في سبيلها،
وترى سيستر جوليانا دوسيل أن تصور المسيح كملك ليس غريباً، لأن آداب الكتاب المقدس أشارت في نبوة عائلة اسحق Isalas إلى الطفل الذي يولد من الأب بأنه "أمير السلام" لكن أغفلت سيستر جوليانا دوسيل أن الاستشهاد في سبيل الدين بعد انتشاره في إنجلترا له مدلول سياسي من واقع التاريخ السياسي الإنجليزي، خاصة وأن كاتبات القانون لم يغفلن أبداً صورة استشهاد القديس توماس بكت أثناء دفاعه عن حرية الكنيسة الإنجليزية ضد الملك هنري الثاني عام 1165م، ولذا فالراجح أن الراهبات الثلاث قصدن توجيه دعوة لكل مسيحي الدير الإنجليزي بكل إنجلترا للوقوف في وجه الملك يوحنا John (1199 – 1216م) الذي استهل عهده بإنجلترا بتطليق زوجته هاويسا Hawisa والزواج بإيزابيل Isabel ابنة كونت أنجولم Angouleme كإجراء عدائي موجه ضد جيوفري Geoffrey كبير أساقفة يورك الذي رفض ذلك الطلاق كما أن الظاهر أيضا من تلك الدعوة الدينية السياسية أن الراهبات استوحينها من عظة القديس برنارد من كلارفو St.Bernard of Clairvaux رقم 82 LXXXII والتي شرح من خلالها مفهوم الزواج الروحي المذكور في نشيد الإنشاد وعلاقته بالعفة والتضحية والاستشهاد في سبيل الدين. ومن المؤكد فذلك المزج بين الدين والسياسة يعد بصفة عامة واحدة من ألوان المناهج الدينية المتصوفة التي تدعو لمناهضة السلطة السياسية تضاف إلى الكثير من الأعمال الدينية التي برزت في عهد أسرة البلانتجنت.
ختاماً يمكن القول بأن أهمية مؤلف قانون الراهبات لا تقتصر فقط على أنه يمثل نقطة رصد لأسلوب الحياة الديرية في إنجلترا في القرن الثالث عشر، لكن القانون نفسه يحمل بعداً سياسياً فلسفياً يضاف إلى باقي الأعمال الدينية التي ظهرت في زمن الملك يوحنا.
تاريخ إنجلترا في العصور الوسطى
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع