مدونة الكاتب محمد آيت علو


تمزق الذات وصور تضارب فقدان الهوية .

الكاتب محمد آيت علو | AIT ALLOU MOHAMED


02/11/2020 القراءات: 4124  


إن علاقة القهر التي تدخلُ في بناء الذات المربية، تُعَاشُ على أنَّها علاقة مشروعة وعقلانية، لأنها تنتظم بقوانين وتشريعات مؤسساتية من جهة، ولأنها تكتسي مغزى ومعنى النموذج السلطوي الذي تم تمثله...في لاشعور المدرسين من جهة ثانية، لذلك تُعاش هذه العلاقة في الغالب على أساس من تبخيس واستصغار الذات، على شكل انجراح نرجسي أو فقدان إنسانية الذات، بحكم كون العلاقة السلطوية القهرية تقوم على الاستعلاء والدمج بإلغاء ذات الأدنى وتحقير الذات لديه، إلى درجة ينظرُ إلى المدرس معها وكأنه شيء، وإلى هذا يشيرُ الدكتور "مصطفى حجازي" بقوله: "بدل علاقة أنا /أنت، التي تتضمن المساواة. والاعتراف المتبادل بإنسانية الآخر وحقه في الوجود...بدل هذه العلاقة تقوم علاقة من نوع أنا/ذاكَ، ذاك هو الشيء، هو الكائن الذي لا اعتراف به...علاقة الدونية والشعور بنقص الإنسانية وقصور الذات، يجعلُ المدرسين، يدركون بأن ذواتهم كذوات منبوذة أو مهجورة، الشيء الذي يولد لديهم قلق النبذ والهجر"، وقد أشار الدكتور" ألفريد آدلر" رابطاً بين الشعور بالنقص الذاتي والتقدير الاجتماعي أو بين النقص النفسي والانتماء الاجتماعي، إلى ذلك بقوله:" كل حياة نفسية تصرف إلى الميادين التي يجد فيها الفرد مكانهُ أمام وإلى جانب الآخرين".
فالشعور الاجتماعي يُعطي لكل واحد شعوراً بالأمن، الذي يمثل بالنسبة له السند الرئيسي للحياة، لذلك فإن إحساس المدرسين بعدم التقدير الاجتماعي، ونقص في الانتماء والكراهية سيذكي لديهم مشاعر النقص والحيف، وأمام هذه الوضعية المقلقة، يسعى المدرسون إلى تجاوز حاجز القلق، والخروج من حمأة الصراع، أحيانا بطرق إيجابية كالاحتجاج، والسعي بكافة الطرق المعقولة والمنظمة، لتأكيد الذات، واعتبار إنسانيتهم وكرامتهم، إلا أنهم في الغالب يسلكون سبلا فجة، أو آليات دفاعية ملتوية كتقمص الشخص " السيد" الواقعي أو الخيالي، كنموذج أبوي مؤسسي واقعي، أو صورة مثالية للأب الخيالي...، الشيء الذي يولد لديهم موقفا مأساوياً إزاء الذات، أو موقفاً اعتياديا لدى الآخر.
غير أنه في كثير من المواقف، ما يكون قلق الشعور بالذات هذا في الموقف التربوي حافز بحث المدرسين على تجاوزه، بتحدي العوامل المدلة له، وكانت "كارين هورني" قد أشارت إلى وجود ثلاثة احتمالات أو إمكانيات لمواجهة القلق الاجتماعي المنشأ أو العلائقي الأصل.
"التطرف في العدوان، الانعزال، أوالتبعية"، فالشخص العدواني يرفضُ علاقة يرى أنها علاقة استغلال، والانعزالي يجتر قلقه نتيجة شعوره بالضعف والعجز، وإذا اشتدت درجة القلق الاجتماعي، يسقطُ المرء في القلق الذي تسميه "هورني": بالقلق الأساسي الذي يسلبُ الذات سماتها الحقيقية والأصيلة، حيث ينشأ صراع نفسي داخلي ينهشُ كيان الذات، تسميه "هورني" الصراع المركزي، وهو صراعٌ بين الذات الحقيقية، والذات المريضة القلقة، الشيء الذي يجعل المرء يسقط في دائرة كراهية الذات والعالم، حيثُ ترى "هورني" أن المرء هنا يكرهُ ذاته الحقيقية لضعفها وفشلها، ويكره ذاته لحد الشعور بالخراب والدمار في شخصيته...إن كره الشخص لنفسه، وابتعاده عن طبيعته الأصلية، وتلقائيته، يجعلُ سلوكهُ لاينبع من خصائصه وسماته، بل من قلقه ونضاله من أجل استرجاع أمنه وطمأنينته...
والمدرس كشخص يدخل في علاقة اجتماعية، يدركُ أن المجتمع يقيسُ وزن ذاته انطلاقا من معايير انتاجية، أي حسب مردوديته وانتاجيته الاقتصادية، لذلك يرى " إيريك فروم":"... إنه في مثل هذه الحالة توجد شخصية اقتصادية تخضعُ لمتطلبات السوق التجارية "تشييء الذات" في هذه الحالة، فإن المدرس لايكونُ "مفهوم الذات" أو صورة "الأنا" لديه انطلاقا من صورة الآخر، كما يتصورها هو أو يتصورها الآخرون عنه"، وفي هذا الصدد تقول الدكتورة "آدا ابراهام" ": إن الصورة المهنية عن الذات تتحدد بالاعتبار الذي يمنحهُ الشخص لنفسه، وذاك الذي ينسبه إلى الآخرين إزاءهُ...فتأثيرُ الآخرينَ المنضوينَ في الشبكة الدراسية مدينٌ وخاضعٌ للذات، والطريقة التي تعيشُ بها علاقاتهم المتبادلة".
هُنا ينشأ لدى المدرسين نوعٌ من الاستيلاب، حيثُ يتخلَّوْنَ عن جزء من هويتهم ويتنازلون عن الذات الواقعية الطبيعية لصالح الذات المهنية الاجتماعية، بل يصبحون في قلق دائم بخشيتهم من الاستقلال والتحرر واتخاذ المبادرة، ويسعونَ إلى تَحْقيق المثال كما يحدّدثهُ الآخَرُون، ولايمارسونَ المهنةَ ويحققونَ الذات في مجالها كما يرغبون هم حقيقة في ذلك، وبتعبير آخر يتم إهمال الذات الأصلية بواسطة الذات المثالية، حيثُ يجدُ المدرسون أنفسهم تحت تأثير الضغط المؤسسي و الاجتماعي، مضطرين إلى انتحال الأقنعة، ومحاولة الظهور بمظهر المواطن الصالح، أو النموذج أمام التلاميذ، والأقوى معرفيا، والمثال أخلاقيا...وذلك تجنبا لمواقف الاحراج والانهزام، الشيء الذي يهدد هيبته ويسقط قناعه، وينسخ ذاتهُ المثالية، التي تصبحُ تحت تأثير الضغط السلطوي، والخوف والقلق الذاتي الناجم عنه، بمتابة الطبيعة الثانية للمدرس...وكثيراً ما تتصارعُ وتتضاربُ صُوَرُ الذات الواقعية-والمثالية، فتتعدد نماذج الصور، الشيء الذي يؤدي إلى انفصام الشخصية في حالة تطور الحالة، وكمثال على تمزق الذات، الذي يولدُ قلقَ فقدان الهوية، نتيجةَ تَضارُب صُوَرها نوردُ مثالا لنموذج علائقي أوردتهُ "آدا ابراهام"" لنتصور شخصين يحادثان بعضهما من خلال مواجهة بينهما، الأول "أ" والثاني"ب".
- أولا نجد "أ" كما يريد أن يبدو ل"ب"- و"ب" كما يريد أن يظهر ل"أ".
- ثانيا "أ" كما يبدو في الواقع والحقيقة ل"ب"-و"ب"كما يبدو حقيقة ل"أ".
- ثالثا نجد"أ"كما يبدو لنفسه و"ب" الحقيقي الطبيعي كما يبدو لنفسه.
- رابعا هناك "أ" الحقيقي الطبيعي – و"ب "الحقيقي الطبيعي.
فأين هي إذن هوية الشخص الحقيقية، والعلاقة الإنسانية "السليمة...؟


بين هوية الشخص الحقيقية والعلاقات الإنسانية السليمة.


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع