صفحات مشرقة من دفتر ناصع ..
ا.د طارق هاشم الدليمي | Proof.Dr Tariq hashim khamees
18/04/2020 القراءات: 4334 الملف المرفق
صفحات مشرقة من دفتر ناصع ا.د طارق هاشم الدليمي ١٧/٤/٢٠٢٠ " أنْ تنجحَ في وسط مثاليٍّ، فإن نجاحَك تحصيل حاصل لتفاعل ذلك الوسط ، لكن أن تنجحَ في وسط مليء بناكري الجميل ،فذلك لعمري النجاح المبين " (أنا القائل ).من نتائج قراءتي المستفيضة للتاريخ وجدت أنّه يدوِّنُ للمتميزين من العظماء ، أولئك الذين أسبغوا أفضالهم على الإنسانية ، وكنت أتساءل مع نفسي:" يا ترى ماذا سيكون تأثيري في البشرية ؟ " هل سأدون اسمي في سفر الخالدين أم سأمر في أقطار الكوكب مرور العابرين الكرام ؟ هذا التساؤل الكبير وجدت فيه من السّخرية من نفسي الشيء الكثير !!. من أنا ؟ ما الذي يتوفر لي من أدوات الخلود ؟ أيُّ مجتمع أحاول أن أخلد من خلاله ؟ أ أخلد من خلال عملي في الجامعة ؟ وهي التي أصبحت عبارة عن ( آلة ) لمعالجة أعطال المدخلات الطامحة للوظيفة التي تحقّقها ورقة تعطى للمتخرجين فيها ،وقد ازدادت أعطالهم بأعطالٍ أخرى تتمثّل في دراستهم لإختصاصات لا يميلون إليها، وقد كانوا يظنون أنَّهم بدخولهم الى الجامعة قد وقفوا على باب المستقبل ، وهم لا يعلمون أنّهم قد كانوا يقفون على أبواب الفشل !! لأنهم افتقدوا أهمّ مقومات النجاح،ألا وهو ( الشغف ) .وبفقدانهم الشغف يكونون قد خاضوا تجربة تعتمد على الحظّ لا أكثر ، وهم الذين لم يكونوا في حاجة الى معجزة لكي يبدعوا ، كانوا فقط في حاجة لمن يحثُّ شغفهم ليصبحوا نيازك تحطم قيود آلامهم وفشلهم .. انطلقت من حقيقة أنني أعيش على هذا الكوكب مستقلًّا ، تركت الرضا بالأمر الواقع للواهنين الذين تسلَّل الفشل الى أعماقهم ، بل وقاطعتُ من توسّمْتُ فيه الفشل وابتعدت عن قتلة الطموح خشية انتقال فايروساتهم إلي ، قرأت قصص نجاح الناجحين فوجدت أنهم تمسّكوا بشغفهم بما يحبون ، وعلمت أنَّ أول أسرار نجاحهم هو تقريرهم لخياراتهم بأنفسهم ، فقررت خياراتي بنفسي ، وجعلت جلّ اهتمامي بالنهايات ، أي أنّني كنت أستشرف نجاحي من مسافات بعيدة ، وبدأت أرسم طريق نجاحي بالإفادة من أخطائي ، صعدت سلَّم المعرفة بالصبر درجة درجة ولم أقفزْ فتفوتني منها درجة ، جعلت لنفسي تجربتي الخاصة التي لا أنكر أن من خطّ بدايتها أستاذي الراحل الكبير (مدني صالح)مشفوعة بأربع كلمات للمفكر الكبير المغربي(طه عبد الرحمن ): "شجاعتك ستقودك الى النجاح " وهو يثني عليّ في معرض ردي على المفكر الفرنسي (روجيه غارودي) الذي كان يلقي علينا محاضرة حين كنّا طلبة في كلية الآداب بجامعة بغداد أيام الحصار الأميركي الجائر على العراق حين استوقفت المترجم لأرسل رسالة من خلال غارودي الى الشعب الفرنسي الذي كان يشارك في إحكام طوق الحصار على العراقيين فقلت له: " لو أنك أتيت لنا بعلاج لضمور أجسام أطفالنا خير لك من أن تردّد علينا فلسفتكم الأخلاقية " . وتعلمت من " أوليفر ليمان " أنّ الإنسان بإنسانيته ،وما الدين إلّا مركب يختاره صاحبه للوصول الى الله .. جالست كبار المفكرين والمؤرخين وعلماء النفس والآثار والأدباء والشعراء ودرست اللغة الإنجليزية ، وقابلت كبار مفكري العصر في مؤتمرات خارج العراق ، كنت أراقب حركاتهم وسكناتهم وأُردِّد مع نفسي: "هل تغلغلت أصابع هؤلاء في الفشل أم إنّ نجاحهم هذا جاءهم هكذا دفعة واحدة ؟ عكفت على قراءة السيرة النبوية الطاهرة فكانت المرسى الآمن ومنبع الأمل ، وفي قصص الرجال الأفذاذ الصحابة والتابعين دروس وعبر ، وقرأت قصة الحضارة وتاريخ العلوم كلها ودرست الفقه على الشيخ (محمد صادق) رحمه الله .. ثم أتى أوان التطبيق ، وإذا بي أعمل أستاذاً في الجامعة ، وبكلِّ السلبيات التي استهليت بها مقالي كانت هناك جوانب مضيئة : أولها حقيقة وجود النجوم اللامعة من الأساتيذ والإداريين من الذين أنحني لإيمانهم بالله والعلم إجلالا فكنت في حضرتهم أشعر بأنّني تلميذ صغير يتعلم أبجديّات القراءة والكتابة وكنت أستسلم مصغياً لحركات شفاههم التي كانت منهلًا .. جربت العمل الإداري " بعد أن تمّ تكليفي به عن غير رغبة مني فيه " فوجدت أنه من أسوأ المداخل التي تُفرض على الأكاديمي ، ومع ذلك عدت الى مقدماتي العلمية فطبقتها فيه ونجحت فيه أيَّما نجاح ، لم اشكُ أحدًا لمدير، ولم أترك مشكلة من غير حلّ، وكنت أجازف في تقديم الحلول لها .. وفي الحديث عن معاناتي في عملي الأكاديمي لم أجد أصعب من التعامل مع أشباه المتعلمين وأكاديميي الصدفة الذين غصّت بهم الجامعات بعد الاحتلال الأميركي البغيض للعراق ، منافقون مدلّسون كذّابون طوافون حول كعبة المال ،ركّع تحت أقدام المسؤولين السفلة لا يتورع أحدهم عن عمل يفيد منه ولو اضطر الى هتك الستر وقذف العرض وطعن الشرف فلن يبالي .. وآخرهم ، وهم الذين بدأنا بهم رحلتنا وأعني بهم ( ناكري الجميل ) فهم الصفحة الأكثر قذارة في صفحات السِفْر الأكاديمي ، إذ إنّ أحدهم لا يحتمل أن يرى من كان سبب وجوده في هذا المكان، فيتمنى لو انه ألقاه خلف الشمس ....
ناكرو ، الجميل ، اخلاق ، مهنة
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
نعم ..أحسنت وأصبت