مدونة أ.م.د.صبا الياسري


الفـن و تأثيره الاجتماعي و التربوي

د.صبا قيس الياسري | DR.SABA QAIS ALYASIRI


17/09/2021 القراءات: 3437   الملف المرفق


من بحثي الخاص بالفن ودوره الاجتماعي والتربوي وامكانية التفعيل في المجتمعات العربية الفن ضرورة في المجتمع و حاجة جمالية ، كان و مازال اقدر شيء للتعبير عن وجود الإنسان و حضارته ، فالفن رسالة للحاضر و المستقبل عما كنا عليه من تطور ورقي و حرية ، او من تخلف واضمحلال وجمود فكري فعسى ان تكون رسائلنا تحمل في ثناياها حرية و حياة وسمو لمجتمع حر قد كابد الظلم دهور. والفن في مراحله التاريخية الأولى كان نشاط أو خلق لشيء متميز (أثر) ولم ينظر إليه كوسيلة معرفية متميزة إلا في فترة متأخرة جداً ... بدأ يظهر العمل الفني بأنه لغة تخاطب بين المجتمعات وداخل المجتمع الواحد هو رسالة من إنسان إلى أخر أو من الفنان المبدع إلى المتلقي أو الجماعة المجسدة بالمجتمع في قالب إبداعي مؤطرا بالقيم الثقافية التي تناشد توعية و تربية المجتمع وهنا نحن تحديدا أمام الفن الأخلاقي ؛ الفن الحق الذي هو رسالة وواجب لنمو المجتمعات وتطور الحضارات . وربما نتسأل ما هو الفن ؟ وللإجابة على هذا التساؤل علينا ان نقف على التعاريف التالية لنستشف الإجابة : ورد الفن في معجم الفلسفة على انه يطلق على ما يساوي الصنعة. اوانه تعبير خارجي عمّا يحدث في النفس من بواعث وتأثرات بواسطة الخطوط أو الألوان او الحركات أو الأصوات أو الألفاظ. تعنى كلمة ( الفن) مجمل الوسائل، و المبادىء التى يقوم الإنسان بواسطتها بإنجاز عمل يعبر عن مشاعره وأفكاره، فالعمل الفنى تجسيد لفكرة ما بأحد الأشكال التعبيرية. اما في الموسوعة البريطانية فتعرف الفن على أنه استخدام التصور والمهارة لخلق نتاجات جمالية أو صياغة تجارب شعورية أو تهيئة مناخات تتميز بحس جمالي وجاء في الوجيز بأن الفن "مهارة يحكمها الذوق والموهبة والتطبيق العملي للنظريات العلمية بالوسائل التي تحققها ويكتسب بالدراسة و الممارسة أو هو جملة القواعد الخاصة بحرفة أو صناعة وأيضاً جملة الوسائل التي يستعملها الإنسان لإثارة المشاعر والعواطف وبخاصة عاطفة الجمال كالتصوير والموسيقى والشعر" ويرى فيكتور هوجو ( 1802-1885) أن الفن عندما يكون في خدمة الأخلاق فلا شك أنه يكون أكثر جمالاً . ويقول سارتر (1905 – 1980) في كتابة ما هو الأدب لا وجود للفن إلا بالآخرين ولآجل الآخرين " الكتابة نداء موجه إلى القارىء كي يخرج إلى الوجود من البديهي عند مخاطبتي للقارىء إنني أنظر إليه على أنه حرية خالصة وقدره مستقلة على الخلق وإيجابية غير مشروطة إذ لا أستطيع على أي حال أن أخاطب سلبية ما ". ويقول الاديب الروسي تولستوي(1828-1910) "ان الفن ينبغي ان يوجه الناس اخلاقيا وان يعمل علي تحسين اوضاعهم ولا بد ان يكون الفن بسيطا يخاطب عامة الناس" ويقول الدكتور محمد عمارة : الفن مهارة تتعلق بالذوق والوجدان وكي يكون الفن جميلاً لابد ان تكون له رسالة أخلاقية فمجرد المهارة لا تضمن الجمال. اما الفن من المنظور الإسلامي ليس بالضرورة أن يكون ذلك الفن الذي يدور حول الإسلام بل هو الذي يرسم صورة الوجود من زاوية التصور الإسلامي لهذا الوجود والفن الإسلامي هو الفن الذي يعبر عن العقيدة ومن الأمور المسلم بها. إن الإسلام يركز على ارتباط الفن بالأخلاق الحميدة وهو بذلك يسمو بالإنسان مشاعرا وسلوكا.. ولا شك أن كل أشكال الفن من الموسيقى والشعر والنثر والفنون التشكيلية والسينما عندما تكون مستندة إلى الأخلاق فإنها تعد أحد أشكال الوعي الحاكمة لتصرف الإنسان والتزاماته ـ إن الفن القائم على الأخلاق هو بمثابة ثورة ثقافية تحرر الإنسان من قيود التخلف ومن هنا فمن وجهة نظري من الضروري أن يكون الفن أخلاقياً . إذن فالفن في كل الأحوال نتاج لإبداع إنساني وأحد ألوان الثقافة التي تم اكتشافها أو الاستدلال عليها قبل التاريخ ويمثل عملاً إبداعياً يعتمد على مهارة المبدع وقد يكون محصلة لفكرة فردية أو من خلال فكرة جماعية ـ وهو بهذا التصور عبارة عن محاولات تقوم على التعبير عن مكنونات المبدع لتجسيد المشاعر الإنسانية ذلك أن رسالة الفن تكمن في منحه الإنسان إحساسه المباشر بطبيعته الاجتماعية . فتتجلى أهمية الفن في المجتمع يوما بعد يوم ، مدركين بأن التجربة الذاتية تبقى لا قيمة لها ، إذا نظر إليها بمنأى عن حياة المجتمع. و الإبداع الفني الذي ينطلق من ذاتية الفنان ولا شعوره أو اللاوعي كما يقول علماء النفس ، نراه مندمجا في حياة الجماعة يذيب حياة الفنان في مجتمعه و يحيطها بعوامل و مؤثرات اجتماعية عديدة . فالفن الذي يتسم بأنه أخلاقي هو الفن الذي يحث على القيم الإيجابية في المجتمع ويعمل على إشاعة الألفة والمحبة بين مكونات المجتمع عاملاً على الارتقاء بفكر وذوق الإنسان وتحرير النفوس وتعديل السلوكيات وإطلاق طاقات الإنسان بعيداً عن التعصب وحثه على إيتاء كافة ما يحافظ على قدسية الانتماء فالفن يسعى لإيقاظ الضمير ويجعل الإنسان يميز الصواب من الخطأ فمثلاً عند المقاومة و الحروب يعبر عن تأجيج نفوس المواطنين ودفعهم للاحتجاج والمقاومة لكل مظاهر الظلم من جانب و للتأكيد على الجوانب الايجابية في المجتمع أيضا فالفن ليس نقد للمجتمع و تصرفاته فهو أحيانا كثيرة تأكيد و تشجيع للايجابيات على ان لا يأخذ الشكل المباشر الوعظي حتى لا يفقد من جماليات الإبداع الفني.


الفن ، المجتمع ، التربية