النجاح السهل... فكرة تربوية خاطئة
يحيى أحمد المرهبي | Yahya ahmed almerhbi
21/02/2021 القراءات: 1806
أغلب أنظمة التعليم تعزز الإحساس الكاذب بسهولة النجاح، وأنه ليس أمام الطالب سوى بعض الصعوبات البسيطة ليصل إلى قمة النجاح، وتغذّي ذلك بعض برامج التنمية البشرية التي تقرِّب أحلام النجاح والتفوق والتميز والثروة من الإنسان، حتى تصبح وكانها في متناول يده، ولكن هذا نوع من السراب والخداع يقدمه هؤلاء لمن يوجهونهم، كما يتم ذلك عن طريق الطرح المتواصل لقصص النجاح والناجحين، دون أن يتم الإشارة (إلا نادرا) إلى المعاناة والصعوبات والعقبات التي عاناها هذا الإنسان الناجح أو المتميز.
ومثل هذا التعليم والتوجيه يخرج جيلا غير قادر على الابتكار، أو التعامل مع الواقع وتعقيداته، فيصاب الطلاب بعد مواجهتهم لصعوبات الحياة بالصدمة، وأحياناً تكون ردة الفعل النفسية لهذا الطالب أو ذاك محزنة ومؤسفة، ولعل قصص الفشل والتعثر الكثيرة التي نلمسها لدى كثير من شبابنا هي نتاج مثل هذا الطرح والتوجيه.
وأنا هنا لا أدعو إلى جعل سلم النجاح مستحيل الصعود، بل علينا أن نكون صادقين مع من نعلمهم ونربيهم ونوجههم، وأن نخبرهم بكل صدق وأمانة ومسؤولية أن هناك ضريبة واجبة الدفع، كي يصل الإنسان إلى النجاح المنشود، وليس الأمر نزهة أو فسحة، أو بعض مهارات يتقنها الشخص، ثم تنفتح أمامه أبواب النجاح على مصراعيها، وليُذكَّر هذا الشاب بقول الشاعر :
لا تحسب المجد تمرا أنت آكله
لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا.
إن عدم غرس فضيلة الاجتهاد والإصرار، ومغالبة رغبات النفس، وتقبل الخسارة وأحيانا الفشل مرة بعد أخرى، واعتبارها (أي مرات الخسارة والفشل) ضمن الرصيد الذي نصعد عليه في سلم النجاح، عندها سنكون قد جنينا على من نعلمهم ونربيهم ونوجههم، وسيكون نتاج ذلك شخصيات (هشة) ومجتمعات (رخوة)، تنكسر وتتراجع عند أول عقبة أو صعوبة في ميدان الحياة.
الشخصيات المشرقة المتميزة، هي شخصيات كانت لها بدايات محرقة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، والسهولة ليست (مدرسة) لصناعة النجاح، بل ما يصنح النجاح ويبرز الناجحين هي (أكاديمية) الصعوبة والتحدي.
ومن باب الأمانة العلمية، ينبغي علينا عندما نروي لمن نربيهم قصص الناجحين، أن نركّز على طبيعة الجهد والكفاح والمصابرة والإصرار التي أوصلت هؤلاء الناجحين إلى قمة النجاح، وأن النجاح كان بالنسبة لهم تحصيل حاصل لما بذلوه في سبيل الحصول عليه، كما ينبغي أن يغرس في أذهانهم أن المعاناة والكبد والكدح سنة من السنن الربانية التي تتعلق بالإنسان كإنسان، (لقد خلقنا الإنسان في كبد)، (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه).
ولعل ما جاشت به نفس الإمام الزمخشري صاحب الكشاف من أبيات شعرية يصبّ في هذا الاتجاه، حيث يقول:
سهري لتنقيـح العلوم ألذّ لي
من وصل غانية و طيب عنـاقِ
و صرير أقلامي على صفحاتها
أحلـى من الـدوكاء للعشاقِ
و ألـذّ من نقـر الفتاة لدفها
نقري لألقي الرمـل عن أوراقي
و تمايلي طربـا لحل عـويصة
في الدرس أشهى من مدامة ساقِ
يا من يحـاول بالأمـاني رتبتـي
كـم بين مستفِل وآخـر راقي
أأبيت سهران الدجى و تبيتـه
نومـا و تبغي بـعد ذاك لحاقي
فيا أيها المعلمون والمربون والموجهون والقادة، ضعوا الأمور في نصابها، وتحملوا مسؤولية صناعة من يعانقون النجاح عن جدارة واستحقاق، وبهذا تكونون قد أبرأتم ذمتكم وأحسنتم النصح لمن تخرجوا على أيديكم، ولن يصنع نجاح الآخرين من لا يتقن فنون النجاح، ولا يعرف صعوبات درجات سلمه.
النجاح، فكرة خاطئة
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع