مدونة محمود سيد عبد المحسن علي


هدهد سليمان وقيم الإدارة الحكيمة

محمود سيد عبد المحسن علي | Mahmoud Sayed Abdelmohsen Ali


25/06/2020 القراءات: 4286  


تتجلي أعظم قيم الإدارة في سورة النمل حيث طبق سيدنا سليمان عليه السلام أعظم قيم الإدارة وأنفعها في موقف الهدهد.
فالمشهور عند الإداريين أن مهام الإدارة الأساسية هي التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة يتفرع من كل منها مجموعة من النشاطات والقيم التي تحقق كل مهمة علي حدي وتحقق التنسيق بينهم حتي تصل الإدارة إلي بغيتها وتحقق أهدافها، فالقارئ المتدبر لسورة النمل يجد أن سيدنا سليمان عليه السلام لم يكن فقط نبيا مرسلا ولا قائدا حكيما حكم العالم أجمع بل وهبه الله سبحانه وتعالي حنكة الإدارة بكل أركانها وما وصل إليه العلم الحديث في الإدارة تمثل في موقف واحد لهذا القائد والإداري والنبي عليه السلام، فصدق فيه قول الله تعالي
وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا دَاوُۥدَ وَسُلَيۡمَٰنَ عِلۡمٗاۖ وَقَالَا ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٖ مِّنۡ عِبَادِهِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ (١٥)
فتجلت مهارات التخطيط و التنظيم وتوزيع المهام في تكليف (ٱذۡهَب بِّكِتَٰبِي هَٰذَا فَأَلۡقِهۡ إِلَيۡهِمۡ ثُمَّ تَوَلَّ عَنۡهُمۡ فَٱنظُرۡ مَاذَا يَرۡجِعُونَ (٢٨) فالتكليف واضح وموثق ومكتوب وكما يقولون في الإدارة أن ما ليس مكتوبا ليس موجودا وتتجلي أيضا عملية التقييم والمحاسبة ووضوح لائحة العقاب

( لَأُعَذِّبَنَّهُۥ عَذَابٗا شَدِيدًا أَوۡ لَأَاْذۡبَحَنَّهُۥٓ أَوۡ لَيَأۡتِيَنِّي بِسُلۡطَٰنٖ مُّبِينٖ (٢١) وفيه أيضا أن بيان العذر من الغياب يعفي من العقوبة.
وفيها أيضا ترك مجال للحوار وبيان الأعذار ومهارة الاستماع في حوالي خمس آيات يتحدث فيها الهدهد عن سبب غيابه والقائد يستمع بتواضع ولم تستفزه كلمة أحطت بما لم تحط به ( فَمَكَثَ غَيۡرَ بَعِيدٖ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمۡ تُحِطۡ بِهِۦ وَجِئۡتُكَ مِن سَبَإِۢ بِنَبَإٖ يَقِينٍ (٢٢) وفيها أيضا عدم التسرع بإصدار أحكام مسبقة وتري فيها عدم الاستخفاف بالمتحدث حتي لو كان هدهدا وكذلك حسن استغلال الفرص المتاحة.
ولم يكتف القائد بسماع المعلومات بل أيضا يختبر مصداقية المعلومات ويتبين مدي دقتها وذلك قبل اتخاذ القرار ( قالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقۡتَ أَمۡ كُنتَ مِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ (٢٧) فلا يبني قرارا إلا علي معلومات دقيقة وموثقة وتمت مراجعتها وهي أيضا نوع من الرقابة القبلية أو ما يسمي التقييم القبلي للقرارات .
وتري فيها أيضا القائد الذي يركز علي هدفه والذي كان واضحا من البداية ووضع خطته بناء عليه ألا وهو دخول قوم سبأ في عبادة الله وعدم الانحراف عن ذلك الهدف، فلم يقبل الهدية التي كان هدفها إبعاده عن هدفه والسير في طريق لم يكن بخطته،
،ونري كذلك مبدأ الرقابة وحسن المتابعة وتفقد العمال ( وَتَفَقَّدَ ٱلطَّيۡرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَآ أَرَى ٱلۡهُدۡهُدَ أَمۡ كَانَ مِنَ ٱلۡغَآئِبِينَ (٢٠)
ونري كذلك مبدأ إداريا أصيلا وهو استغلال الطاقات وحسن توظيفها بل والدعوة للتنافس في سرعة وجودة أداء العمل والتحفيز علي ذلك ( قالَ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَؤُاْ أَيُّكُمۡ يَأۡتِينِي بِعَرۡشِهَا قَبۡلَ أَن يَأۡتُونِي مُسۡلِمِينَ (٣٨)
وأخيرا وفي الختام نري التواضع وعدم الغرور بما تحقق من إنجاز وإرجاع الفضل لله عز وجل فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَٰذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴿٤٠﴾
وهذه القيم الإدارية التي صاغها العلم الحديث في مجلدات كثيرة وأبحاث متعددة قد وفتها عدة آيات فقط، وهذا غيض من فيض كتاب الله تعالي الذي إن أحسنا تدبره نغنم بخيري الدنيا والآخرة من علوم نافعة وتطبيقات رائعة.


قيم الادارة - الهدهد - الهدف


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع


متعنا الله جميعاً بنعمة الصحة والعافية، يسلم يراعك الرصين الاستاذ الفاضل - محمود سيد.


بارك الله فيك أسعدنا مروركم الكريم


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سعادة الاستاذ محمود سيد عبدالمحسن.. متعتنا بهذا التدبر الرائع في سورة النمل.. وهذا الاستخلاص للعظات والعبر لخبراء الإدارة في زماننا ليستفيدوا من هذه الدروس.. وفقك الله وسددك.. وزادك علما وتقى ورفعة.


جزاكم الله خيرا سعادة الدكتور مصطفي وشكر الله لكم مروركم الكريم