مذكرات السيد حافظ بين الموقف والدلالة .
ياسر جابر الجمال | Yasser gaber elgammal
15/07/2023 القراءات: 1557
.
إن مذكرات الشخص هي شهادة منه على جزء من التاريخ بالصواب أو الخطأ، كما أن مذكرات القادة والشخصيات المرموقة ثقافيًا وفكريًا هي أهم مصادر كتابة التاريخ الصحيح الذي يمكن الاعتماد عليه في توثيق الأحداث والوقائع التي تمر بها البلدان ، لا سيما إذا كان الشخص ذا تأثير ثقافي وفكري ملموس،وموقف رائد .
الآلم والمعاناة أن تنساك أرضك وأنت من قاتل من أجلها طيلة عمره، لا لشيء إلا هكذا الأمر ، والأكثر من ذلك أن تتعاقب عليك الأيام والليالي وأنت تزاد يقينًا في ذلك .
الجرح الذي لا يمكن أن يندمل وينساه الإنسان هو خيانة رفقاء الدرب، و أصدقاء الطريق، فالطعنات من هذا الجانب تكون غائرة وسامة، ولا يمكن أن تبرأ مدى العمر.
الخلود الحقيقي والبقاء الدائم هو بقاء العلم والمعرفة الحقيقية التي كتبها الإنسان جراء عصارة فكره، وخلاصة تجاربه في الواقع والحياة، وكلل ذلك بالمواقف المشرفة التي وقف قلمه في سبيلها طيلة عمره في حله وترحاله .
هذه ملامح تؤكد لنا أن السير الذاتية الحقيقة هي التي تتسم بالوضوح والصدق والتجرد في كثير من النظرات و الآراء و التجارب المتصلة بالذات وبالشخصيات، وهي تستحضر صور أصحابها ما عانوه من صراع داخلي وخارجي، تصويرا دافقا بالحيوية والازدياد والنمو، ويكشف عن مدى ما أصابته شخصية أحدهم من تحول وتغير وتطور.
إنه ثمة فارق جوهري يحدد المسافة الدقيقة بين مذكرات الشخص وسيرته الذاتية، فمذكرات الشخص تركز على مراحل مهمة ودقيقة في حياة الإنسان، بخلاف السيرة الذاتية التي تعنى وتتبع كافة المراحل الزمنية للشخص؛ ولذلك فقد" عني كثير من هذه التراجم الذاتية بإثبات عنصري الزمان والمكان والكشف عن أسماء الشخصيات والأماكن وتعزيز الأحداث بإثبات التاريخ وبعض الذرائع والمدونات مع محافظة الاسترسال وعلى السرد الأدبي الجالب للمتعة المرادة من العمل الأدبي مما جعل السيرة الذاتية تحظى بعناية كبيرة من قبيل الأدباء والكتاب ويقابلها الجمهور بإقبال شديد، لأنها أرضت حاجة العرب إذ نقلت لهم الواقع الملموس في صورة قصصية سهلة عذبة وكانت تقوم إلى جانب السيرة الغيرية، بهذا الدور الأدبي على مدى أجيال طويلة( )
إن قضية تداخل الأجناس الأدبية قضية قديمة حديثة لم ولن يتوقف فيها الجدال بين مؤيد ومعارض، فمنهم من يرى ضرورة الفصل بين الأجناس الأدبية، ومنهم من يرى ضرورة عدم الفصل بين الأجناس الأدبية، وأن القضايا الأدبية متداخلة متشابكة ، ويصعب الفصل بينها، حيث إن" الجنس الأدبي يعد مدخلًا تنظيميًا للخطابات الأدبية، ومعيارًا تصنيفيًا للنصوص الإبداعية وفق خصائصها، ومؤسسة تنظرية ثابتة تسهر على ضبط النص أو الخطاب، وتحيد مقوماته ومرتكزاته ، وتقعيد بنايته الدلالية والفنية والوظيفية من خلال مبدأى الثبات والتغيير" ( )
هذا التداخل بين الأجناس الأدبية لا يمكننا الوقوف أمامه وخصوصا إذا كانت النصوص والكتابات عابرة للحدود ،وتتسم بالمرونة والتداخل ومن ذلك الكتابات الأدبية التي هي أساس هذا الجانب، فالسيرة الذاتية ، ومذكرات الأشخاص هما في نهاية الأمر يؤكدان "أن حدود الحياة الفردية حكاية مسار تسعى فيه الذات إلى التكيف مع واقعها المعيش؛ إذ هي جزء من منظومة مجتمعية تتقاطع فيها حيوات أخرى، وما الإفصاح عن ذلك كتابةً إلا محصلة لما طوته السنون من تجارب متوزعة بين ماض طويت صفحاته وحاضر يعيش المرء لحظاته ومستقبل يستشرف فيه آماله ، هو امتداد زمني لا يخلو من استكناه للنفس وتفكر في أحوالها وما آل إليه وجودها ، مثل لدى المترجمين لذواتهم بخاصة مادة خاما لمشاريع كتاباتهم السيرية"( ).
كما أن مقولة "التأريخ الشخصي لأحوال الأنا في الكتابة السير ذاتية تعني فيما تعنيه استعراض المحطات الحياتية عبر تعاقبها الزمني ، اعتمادا على الصدق في نقل الأحداث وعلى الأمانة في عرضها، فما تطرحه السيرة الذاتية ، وفقا لهذا المفهوم وانطلاقا من تنوع مادتها النفسية والاجتماعية واللغوية، يجعل منها فضاءً نصيا منفتحا على أكثر من قراءة تستهوي الدارس بطبيعة أبنيتها وما فيها من انصهار للتجربتين الحياتية والفنية، فالسيرة الذاتية إذًا وسيلة لكتابة الذات والتعريف بها وبرحلتها الوجودية بين الحياة والموت. إن منطقة التماس التي تصل السيرة الذاتية بباقي صنوف الكتابات الأخرى، تضع الدارس أمام ضرورة البحث عما يتحكم في النص السير ذاتي من آليات اشتغال داخلية ومرجعيات فاعلة خارجية( )..
ومن ذلك يمكننا القول إن أهمية السيرة الذاتية، وما تحويه من قضايا أدبية وفنية دعت أستاذنا إحسان عباس إلى اعتبار ذلك نوعًا من العلوم التي يمكن تعلمها وتناولها بالدراسة والتحليل، والبحث في القضايا المتعلقة بها، كما أنها لديها من السمات التي لا تتوفر لغيرها، ومنها :
"- أن الإنسان الفرد أبسط كموضوع للدراسة من القبيلة أو المدينة، أو الأمة التي ينتمي إلها.
- أن للأطفال ميلا طبيعيا مفيدا نحو الشخصيات، فهم يعيشون مع أبطالهم ويقاسمونهم وبذلك تتسع دائرة خبراتهم بصورة لا تكاد تعقل في حالة دراسة الجماعات.
- أن تعرف الشخصيات العظيمة النبيلة في التاريخ يخلق رغبة في التشبه بهم ويبعث على بغض سلوك الشخصيات الشريرة .
- أن من الممكن أن تجعل الأفراد يمثلون الجماعات، بحيث تكون دراسة لخصائص الأفراد وخبراتهم( ).
إن هذا التأسيس المعرفي الذي قدمنا به لتلك الدراسة هو بمثابة ركائز مبدئية في تناول مذكرات السيد حافظ "حكايات وذكريات الكاتب السيد حافظ" التي هي بمثابة وثيقة تاريخية اجتماعية ثقافية أدبية دالة على سياق معرفي مؤسس على خلفيات ثقافية موسوعية لدى السيد حافظ ، كما أنها تؤسس بصورة حاسمة لفضاء نقدي مباشر قائم على الحقائق والبراهين الدامغة التي غابت عن حياتنا الثقافية منذ عقود، وهو ما يجعلها عملًا ينتمي لأنساق معرفية متعدد من التحليل والدراسة وخصوصًا فضاء الموقف ودلالته .
الأدب، النقد، الإبداع
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة